القمة الثانية بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب والزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون، والتي انعقدت بمدينة هانوي في فيتنام يوم الثامن والعشرين من فبراير الماضي، انتهت في حالة من الفوضى، حيث قطع ترامب الاجتماع من دون توقيع أي اتفاق، وبدون عقد أي مؤتمر صحفي وداعي. وكان ترامب قد طار حول العالم تقريباً من أجل هذا اللقاء، بينما جاء كيم (الذي لا يستطيع أو لا يريد السفر بالطائرة) إلى هانوي بوساطة القطار، في رحلة استغرقت 69 ساعة في الاتجاهين. كل جانب كانت لديه تأويلات مختلفة للأسباب التي جعلت القمة تنتهي على هذا النحو، لكن الرأي السائد هو أن الاجتماع عقد بشكل متسرع وأنه كان ينبغي القيام بتحضيرات أكثر حذراً بكثير قبل لقاء الزعيمين. كيم، وخلافاً لترامب، بقي في هانوي فترة أطول واستغل وقته هناك جيداً إذ صوّر نفسه كزعيم دولي محترم يقود بلداً ممتلكاً للسلاح النووي.
عودة ترامب المفاجئة إلى واشنطن تزامنت مع تداعيات إدلاء محاميه السابق مايكل كوهين بشهادته أمام الكونجرس على مدى ثلاثة أيام. ففي جلسة مفتوحة في السابع والعشرين من فبراير، أمام لجنة الإشراف والإصلاح الحكومي التابعة لمجلس النواب، وجّه كوهين عدة اتهامات لمديره السابق، ومن ذلك اتهامه الشهير لرئيس الولايات المتحدة بالعنصرية والكذب والاحتيال. وإذا كان الجمهوريون في اللجنة قد اختاروا عدم الدفاع عن ترامب، فإن كل واحد منهم حاجج بأنه طالما أن كوهين سبق له أن أدين بالكذب، فإن شهادته عديمة القيمة ولا ينبغي الأخذ بها. غير أن استطلاعات الرأي تشير إلى أن أغلبية من الأميركيين تعتقد أن كوهين بدا نادماً وآسفاً وكان يقول الحقيقة أخيراً، أو بعض الحقيقة على الأقل، لدرجة أن ترامب سيجد صعوبة في تجاهلها.
وفور عودة ترامب إلى الولايات المتحدة، شارك في التجمع السنوي لـ«مجموعة العمل السياسي المحافظ»، أو «سي باك» اختصاراً، وهي منتَظمٌ يجمع أكثر اليمينيين التزاماً في الحزب الجمهوري. ترامب ألقى على «سي باك» خطاباً سياسياً دام ساعتين في الثاني من مارس واستهدف كل خصومه، ليس الديمقراطيين والصحافة فحسب، ولكن أيضاً الجمهوريين المخلصين الذين خيبوا أمله مثل وزير العدل السابق جيف سيشنز الذي طرده ترامب في نهاية 2018. كان ذاك الخطاب الأطول وغير المكتوب منذ أن أصبح رئيساً للولايات المتحدة. وقد تعامل الرئيس مع هذا الحدث كما لو كان تجمعاً من تجمعات الحملة الانتخابية هدفه إثارة الحماس في قاعدته استعداداً لانتخابات نوفمبر 2020.
ترامب لم يقل الكثير عن قمة فيتنام منذ عودته إلى الولايات المتحدة. وقد حاول مستشاروه إعطاء الانطباع بأن كل الأمور على ما يرام، زاعمين بأن ترامب وكيم افترقا كصديقين، وبأن اجتماعات أكثر بينهما يتم التخطيط لها حالياً. وفي لفتة تجاه كيم، أعلنت الولايات المتحدة أنها ستخفض حجم التمرينات العسكرية المقبلة مع كوريا الشمالية. غير أنه فيما يتعلق بالموضوع الرئيسي المتمثل في جعل شبه الجزيرة الكورية منطقة خالية من السلاح النووي، لم يكن ثمة أي تقدم، ولا حتى تعريف متفق عليه لما تعنيه هذه العبارة من الناحية العملية. والواقع أن معظم خبراء الانتشار النووي يجدون صعوبة في تصور اتفاق يُخضع بموجبه كيم ترسانَته النووية لعمليات تفتيش خارجي، ناهيك عن تفكيكها إلى جانب صواريخه الباليستية الكثيرة والبنية التحتية الضخمة للإنتاج النووي التي أنشأتها كوريا الشمالية على مدى سنين. ذلك أن كيم وكبار مسؤوليه يدركون ما يمكن أن يحدث للأنظمة الديكتاتورية حينما تتخلى عن قدرات نووية في مقابل مكافآت مالية. فقد تابعوا بقلق المصير الذي لقيه الزعيم الليبي معمر القذافي الذي وافق على تسليم قدراته النووية والكيماوية للولايات المتحدة والمملكة المتحدة في ديسمبر 2003 قبل أن يطاح به من قبل هاتين القوتين الخارجيتين نفسيهما، وآخرين معهما، في أغسطس 2011.
ومما لا شك فيه أن العقوبات الأميركية كان لها تأثير كبير جداً على الاقتصاد الكوري الشمالي، لكن البلد الوحيد الذي يستطيع إخضاع كوريا الشمالية وفرض نزع السلاح النووي عليها هو الصين المجاورة. غير أنه في هذا الوقت ليس من مصلحة الصين القيام بذلك؛ فبكين تفضل أن يكون لديها بلد تابع مجاور لها تستطيع التحكم فيه بدلاً من جار حيوي وناجح اقتصادياً يمكن أن يتوحد من جديد مع كوريا الجنوبية. فالتطور الوحيد الذي تخشاه الصين هو كوريا موحدة وموالية لأميركا، ويابان أكثر جنوحاً لتأكيد قوتها يمكن أن تختار هي الأخرى في يوم من الأيام الذهاب في طريق تطوير أسلحة نووية.