لم يعد خافياً على أحد أن الرياضة، فردية كانت أو جماعية، لها آثارها في المجال السياسي، بعضها سلبي، انزلق في هذا إلى درجة قيام حرب إعلامية أو عسكرية بين الدول بسبب كرة القدم، وبعضها إيجابي يسهم في تجسير الفجوات، ورأب الصدع، بين شعبي دولتين، بينهما إحن لأسباب طارئة أو مزمنة. وهناك درجة أخرى لابد من الالتفات إليها، وهي تعزيز علاقة طيبة أصلاً بين شعبين، وهي مسألة عكستها الجماهير في ملاعب الكرة بشتى أنواعها، وتلقفتها وسائل التواصل الاجتماعي وأعطتها مدداً وزخماً لافتاً.
وأتصور أن «الألتراماراثون» الذي قطعه د. خالد السويدي، المدير التنفيذي لمركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية من أبوظبي إلى مكة، والذي انتهى قبل أيام قليلة عند بيت الله الحرام حيث أدى العمرة، يندرج ضمن الصنف الأخير المتعلق بدور الرياضة في تعزيز العلاقة بين شعبي دولتين.
فالعلاقة الرسمية بين دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية تمر هذه الأيام بأفضل حالاتها، قياساً إلى تطابق السياسات، وتوافق وجهات النظر، في ملفات إقليمية ودولية عدة. أما العلاقة بين الشعبين فهي لا تحتاج إلى كثير جهد حتى ندرك محافظتها على حالها من التواؤم والتفاهم، ذي الدرجة الفائقة قياساً إلى ما بين كل منهما ودول خليجية وغربية وآسيوية أخرى. وبذا فإن «الألتراماراثون» المشار إليه سلفاً، أراد صاحبه أن يلفت الانتباه إلى مثل هذه الحالة، ويؤكدها ويعززها، وهي مسألة قد تحققت بالفعل لأن الشاب الإماراتي المثابر وجد تعاطفاً ومشاركة من السعوديين وهو يجري فوق طرق بلدهم السريعة، قاطعاً نحو ألفي كيلومتر، في نحو شهر.
ويبدو أن خالد السويدي مدرك لهذه المسألة، ففي مقدمة كتابه المعنون بـ*«السر؟!.. ليس هناك سر» والذي حكى فيه تجربته مع الماراثون الأول الذي قطعه من الفجيرة حتى أبوظبي لصالح جمعية «رحمة» لمرضى السرطان، قائلاً حول الرياضة وعلاقات الدول: «سأتوقف في كتابي عند مفاهيم رياضية ونفسية واجتماعية ووطنية تتصل بالتحدي الرياضي. ولا شك في أن دراستي للعلاقات الدولية، ومساري المهني الذي كان البحث العلمي أساساً له، يؤثران في قراءتي للظواهر والأحداث، ويساعدان على تكوين الرؤية الشاملة المنسجمة التي خرجت بها من تجربتي».
فحضور السياسة في هذه التجربة الشاقة لم يكن خافياً على صاحبها، فهو يعتبر رحلته الأولى واجباً وطنياً، حيث يقول في خاتمة كتابه «آمل أن أكون قد أديت جزءاً من واجب وطني عليَّ، وأن يكون في تجربتي ما يفيد أبناءه الراغبين في خدمته، والساعين إلى أن تستمر إنجازاته في كل المجالات، والمستعدين لبذل أرواحهم رخيصة في سبيل عزته ومجده». وأعتقد أن وجود السياسة في الرحلة الثانية، الأطول والأكثر صعوبة، كان ظاهراً للعيان، وهو أمر بأن في تصريحات السويدي التي سبقت مشواره، إذ راح يتحدث عما يربط الإمارات والسعودية من روابط قوية، لابد أن يعمل أفراد الشعبين على تعزيزها في المستقبل.
إن العالم الحديث لم يعد مقتصراً في تفكيره وتدبيره على التصورات القديمة للروابط بين الدول، فمع ظهور وحدات أخرى فاعلة من غير الدول تغير علم العلاقات الدولية، وأضاف إلى مبحثه الكثير، ومع ظهور مصطلح «القوة الناعمة» أصبح بمكنة الأفراد أنفسهم، إن كانوا علماء أو أدباء أو فنانين أو رياضيين بارزين، أن يلعبوا دوراً سياسياً غير مباشر، سواء على المستوى المحلي أو الإقليمي أو الدولي. وبذا فإن هذا الماراثون هو باختصار، بعد تحديد هدفه قبل انطلاقه، يعد عملاً مادياً له معان رمزية تفيد علاقة بين دولتين شقيقتين، وهي مسألة يجب الالتفات إليها، بغية تكرارها في المستقبل، وتسليط الضوء عليها بشكل أكثر.