شرطي الخليج الأول في إيران بعد أن توج نفسه ملك الملوك «شاهنشاه»، صدمنا باحتلال جزرنا الثلاث، طنب الكبرى وطنب الصغرى وجزيرة أبو موسى، في 30-11-1971، أي قبل إعلان الاتحاد بثلاثة أيام، لكي ينتهي عهد الشاهنشاهية باختلال في ميزان العلاقات الإيرانية - الإماراتية التي استمرت متوازنة لقرابة ثلاثة عقود متتالية حتى ساعة الغدر السياسي للجيرة التاريخية.
وبعد تسع سنوات من هذا الاحتلال الغادر والغاشم، ذهب الشاه للبحث عن أي مكان يؤويه من ملاحقة ثوار الخميني له بعد قص أجنحة طاووسه الشاهنشاهي، وفي ليلة وضحاها تم اختزال كل فترة حكمه لإيران. ذهب الشاه إلى حيث أفضى، وخلف من بعده شرطي الخليج الثاني، وقد أحسنا الظن به وفي «إسلامية» ثورته وتفهمه لإعادة الجزر المحتلة بسلام، ولكن ملالي إيران أخرجوا مكنونات نفوسهم المريضة بالطائفية القذرة وردوا على السلام بأسوأ منه، وتبجحوا بأن إعادة الجزر إلى أصحابها لا علاقة لها بالسلام، لأنها في اعتقادهم مجرد أوهام، وهذا الكلام تم التأكيد عليه منذ أيام عجاف من عمر إيران التي تعاني الأمرين من مضاعفات عقوبات ترامب. إيران الخميني لم تقف عند ممارسة دور الشرطي على حساب أمن الخليج العربي، بل طوال أربعة عقود تستميت في نزع صفة العروبة عن الخليج. أما الشرطي الثاني، فقد تحول في عملية جينية طائفية ومذهبية إقصائية إلى أخطبوط تمتد أذرعه الملتوية إلى لبنان عند «حزب الله» الذي صنفته بريطانيا أخيراً منظمة إرهابية، المنتمي لها ينال عقوبة السجن لعشر سنوات.
إيران الخميني مع «الهزارة» الشيعة في أفغانستان ضد كل مكونات الشعب الأفغاني الذي لا زال يُعاني من حرب أهلية قاربت الأربعة عقود كانت إيران أحد مشعليها بتوصية خاصة من الخميني قبل وفاته. ففي العراق بذريعة محاربة إرهاب «داعش» عاثت فيه قتلاً وتشريداً وفساداً عبر ميليشيات «الحشد الشعبي»، التي بقرت بطون الحوامل، كما فعل الخوارج في الزمن الغابر، وطبخت الأطفال في القدور وأكلتها في وجباتها، بل ولبست ثوب «داعش» لكي تُلبس الحق ثوب الباطل.
واحتلت إيران العراق وليس أميركا، نعم وإنْ كان بالتعاون مع «الشيطان الأكبر»، ولكنها غيرت حكومات هناك على هواها ونصبت «قاسم سليماني» الذي كان حاضراً مع الأسد في زيارته المفاجئة لإيران قائداً أعلى للقوات المسلحة العراقية.
أما في سوريا، فحدث عن إيران ولا حرج، فهي تفعل بسوريا بالتعاون مع روسيا ما تشاء بالمطلق، فحولت حمص التاريخ والحضارة الإنسانية إلى يباب، ومن بعدها حبل مجازرها على الجرَّار في كل أنحاء سوريا.
وفي اليمن انتفضت إيران خوفاً ورعباً عندما انتبهت السعودية والإمارات على وجه الخصوص مبكراً، وشرعت في قطع ذراعها المتمثلة بعملائها «الحوثيين» في «عاصفة الحزم وإعادة الأمل» التي لم يخطر على بال إيران هبوبها هناك بعد عقد من الصبر الإستراتيجي في عبثها باستقرار وأمن المنطقة بأسرها.
فقد لقن «التحالف العربي» في اليمن درساً قاسياً وغير متوقع للنظام الإيراني الذي يعيش أياماً عصيبة إذا لم يراجع حسابات ميليشياته الخاطئة، لأن تهديداتها العنترية لن تثني العرب بحكم المصير الواحد عن اتخاذ مواقف أكثر صلابة من سابقتها، وقد لا تكون مواجهة مباشرة، بل أشد من ذلك، كما أن ضيق مسارب ومسامات الاقتصاد على النظام وبالتالي الشعب من ورائه أصبح يؤثر على إيران وسياساتها الرعناء تجاه الجوار أولاً، ومن ثم امتداد ذلك إلى الأبعد فالأبعد، وهو ما أشارت إليه بعض مراكز البحوث الإسرائيلية بقرب سقوط النظام في غضون عقد من الزمان وهو جِدُّ قصير في عمر التاريخ السياسي للدول. فهل بعد كل هذا العبث بأمن الدول واستقرارها يحق لإيران أن تكشر عن أنياب استيائها لما صدر من توصيات في البيان الختامي لاجتماع منظمة «التعاون الإسلامي» الذي عقد في أبوظبي منذ أيام وخاصة فيما يخص أحقية الإمارات في جزرها الثلاث المحتلة؟!