لطالما كانت المعركة ضد «الصواب السياسي» مجالاً حكراً على المعلّقين والسياسيين اليمينيين، المتطرفين في الغالب. لكن أنغريت كرامب كارينباور، زعيمة أقوى حزب في ألمانيا حيث حلت محل أنجيلا ميركل، أخذت تنقل هذه المعركة إلى وسط الطيف السياسي. وهي تعمل حالياً على اختبار الحدود المقبولة للخطاب العادي المحافظ، وتلك محاولة مهمة، ليس لألمانيا فحسب.
بدأ كل شيء في فعاليةٍ ألمانيةٍ بامتياز الأسبوع الماضي: كرنفال «محكمة الحمقى» في ستوكاخ، وهي بلدة بالقرب من الحدود السويسرية. هناك تقوم هيئة قضاء مؤلفة من بهلوانات بمحاكمة ضيف مشهور كل سنة. وضيفة هذه السنة كانت كرامب كارينباور. «إيه كي كي»، وهو اختصار اسم زعيمة الحزب الديمقراطي المسيحي، حوكمت على خلفية تهم من قبيل «الاستيلاء على العرش عبر إغراء قاصر»، في إشارة إلى توددها لبول زيمياك، زعيم الجناح الشبابي في حزبها، من أجل الحصول على دعمه خلال ترشحها لزعامة الحزب العام الماضي. فردت «إي كي كي» قائلة: «ليس ثمة أي شيء قاصر بخصوص بول زيمياك».
غير أنه صدرت عن «إي كي كي» أيضاً بعض الأقوال الأكثر خطورةً، أقوال أوِّلت من قبل كثيرين باعتبارها معادية للمثليين. التعليقات أثارت ضحك الجمهور وتصفيقاته. لكن «إي كي كي» لم تحصل على أي تصفيقات من منافسين سياسيين أو حتى بعض حلفائها. وفي هذا الصدد، علّق لارس كلينغبيل، أمين عام الحزب الديمقراطي الاجتماعي، شريك الحزب الديمقراطي المسيحي في الائتلاف الحاكم، على ما جرى في تغريدة على تويتر قائلاً: «أنغريت كارينباور تُظهر أن ريحاً محافظة تهب على الحزب الديمقراطي المسيحي»، مضيفاً: «مثل هذا الخطاب لا ينم عن الاحترام مطلقاً، حتى وإن صدر في كرنفال».
انتقادات مماثلة لعدم حساسية «إي كي كي» صدرت أيضاً عن أحزاب «الخضر»، و«الديمقراطيين الأحرار» الليبرالي، و«داي لينكه» من أقصى اليسار. بل إنه حتى زعيم اتحاد المثليين والمثليات داخل الحزب الديمقراطي المسيحي، ألكسندر فوغت، طالب باعتذار. لكن «إي كي كي» لم تبدِ أي مؤشر على التراجع. فيوم الأربعاء، بعد انتهاء الكرنفال، تمسكت بموقفها مبديةً استياءها من «الصواب السياسي». وفي خطاب إلى أنصار الحزب، قالت «إن من يُستفزون بشكل مصطنع» بتصريحات مثل تلك التي أدلت بها إنما يجازفون بـ«كسر شيء رائع» في ألمانيا، أي تقليد الكرنفال الذي لا يتطلب من الناس «وزن كل كلمة على ميزان الذهب».
والواقع أن ألمانيا لم تكن أبداً مثالاً ساطعاً في ما يتعلق بحرية التعبير، باستثناء ربما فترة «جمهورية فيمار». فإذا وضعنا الفترة النازية وألمانيا الشرقية الشيوعية جانباً، هناك أمثلة كثيرة على القمع، مثل ملاحقة ألمانيا الغربية لمتشددين يساريين مُنعوا من وظائف القطاع العام. واليوم، لدى البلاد قوانين صارمة ضد خطابات الكراهية من أجل طرد عفاريت الفترة النازية.
والحقيقة أنه سيكون أمراً خارجاً عن المألوف تماماً أن تنتقد ميركل «الصواب السياسي» في وسائل الإعلام. فالمثقفة الراقية، والحذرة لدرجة قد تبدو فيها رتيبة في خطاباتها العلنية، تُعتبر من قبل اليمين الألماني «أمَّ الرأي المتجانس»، وهذا هو المجال حيث تستطيع «إي كي كي» تمييز نفسها عن عرّابتها السياسية والخروج من ظلها.
خطاب «إي كي كي» يرفض الاعتذار، لكنه ليس هستيرياً، إنه ينسجم مع معايير مريحة وقديمة بدلاً من أن يعالج معايير أخلاقية جديدة يصعب على الأجيال الشابة فهمها وقبولها. كما أنه خطاب جذاب للناخبين من النوع الذي يريد الحزب الديمقراطي المسيحي استمالتهم وكسب دعمهم، لكنه لم يتجاوز الحدود كثيراً لدرجة تثير عداء «الخضر» كحلفاء ممكنين لتشكيل الائتلاف الحكومي المقبل.
إن الخطاب غير اللائق سياسياً يمكن أن يكون مفيداً لسياسي من الوسط فقط، طالما ظلت إثارة الكراهية والترويج لها من التابوهات.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس