شهدت العديد من دول ومدن العالم يوم الجمعة الماضي، فعاليات واحتفالات ونشاطات متنوعة، إحياء لذكرى اليوم العالمي للمرأة، والذي يحل كل عام في الثامن من شهر مارس، ورغم أن هذه الفعاليات والنشاطات ركزت على دور المرأة الحيوي والمهم في العديد من جوانب الحياة، مثل الجانب الاقتصادي، والسياسي، والاجتماعي، إلا أن الجانب الصحي، وبالتحديد دور المرأة في قطاع الرعاية الصحية، لم يحظ بالقدر نفسه من الاهتمام والتركيز.
ويكفي لإدراك أهمية النساء في هذا القطاع الحيوي، حقيقة أن 75 في المئة، أو3 من كل 4 من العاملين في الرعاية الصحية، هن من النساء. وهو ما يعني أن الشخص الذي يقصد إحدى منشآت الرعاية الصحية بمختلف أنواعها، سيحصل على الجزء الأكبر من هذه الرعاية على يد امرأة. ويحتل هؤلاء النسوة، جميع الدرجات والوظائف المندرجة تحت هذا القطاع، بداية من الإدارة العليا، ومروراً بالأطباء والممرضات، والمهن الطبية المساعدة، ونهاية بعاملات النظافة.
هذه المكانة والمساحة اللتان تحتلهما المرأة حالياً في الرعاية الصحية، والعلوم الصحية بوجه عام، ليست وليدة اليوم، بل هي استمرار لتقليد يمتد قروناً طويلة، وربما حتى منذ عصر إنسان الكهف، حيث جسدت المرأة دائماً القلب الرحيم واليد الحانية.
واستمرت هذه المسيرة في العصر الحديث، والذي رُصع بعلامات فارقة، صحياً وعلمياً، كان أبطالها نساء متميزات. من هؤلاء نذكر على سبيل المثال، الإنجليزية «فلورنس نايتينجيل»، والتي تعتبر عن حق مؤسسة علم التمريض الحديث، بإدراكها في القرن التاسع عشر أهمية الالتزام بتطبيق إجراءات النظافة خلال رعاية المرضى، كأحد أهم السبل في منع انتشار الأمراض المعدية. ومن بعدها «إليزابيث جارت آندرسون» والتي ولدت في بريطانيا بعد وقت قصير من وفاة «فلورنس نايتينجيل»، ورفضتها في البداية جميع كليات الطب في بريطانيا كونها أنثى، إلا أنها أصرت وكافحت طويلاً، لتصبح لاحقاً أول طبيبة مرخص لها بمزاولة المهنة.
وعلى الدرب نفسه، سارت الهندية «آناندي جوبال»، والتي نجحت أن تكون أول طبيبة في الهند، بل سرعان ما وصلت إلى منصب (الطبيب المسؤول) في إحدى المستشفيات في وسط الهند، لتلقى حتفها بسبب مرض السل وهي لا زالت في الثانية والعشرين من العمر. ومثلهما طبيبة الأطفال «في ديل موندو» من الفلبين، والتي لها أبحاث رائدة في مجال الأمراض المعدية، وتمكنت لاحقاً من أن تكون أول امرأة على الإطلاق، تلتحق بكلية الطب في جامعة هارفارد الشهيرة.
وعلى صعيد الاكتشافات العلمية في القرن العشرين، نذكر «آن زاروسكي»، والتي اكتشفت سبب الإصابة بسرطان عنق الرحم، وهو الاكتشاف الذي نتج عنه لاحقا تطوير تطعيم ضد فيروس الثآليل الجنسية، الواسع الاستخدام حالياً، والمسؤول عن إنقاذ حياة عدد لا يحصى من النساء، من خلال وقايتهم من العدوى بهذا الفيروس، الذي يعتبر السبب الرئيس للإصابة بسرطان عنق الرحم. وبشكل مقارب شكلت مجهودات عالمة الفيروسات الفرنسية «فرانسو باري سينوسي» في التعرف على وعزل فيروس مرض نقص المناعة المكتسب المسبب لمرض الأيدز، وهي المجهودات التي أهلتها للفوز بجائزة نوبل في الطب عام 2008.     
ولكن رغم هذا التاريخ المقتضب والناصع للمرأة في الطب والرعاية الصحية، فإن النساء على الصعيد العالمي، في القرن الحادي والعشرين لازلن يعانين التميز السلبي. فالمرأة التي تشكل 75 في المئة من القوى العاملة في قطاع الرعاية الصحية، ونسبة أعلى من ذلك في بعض المهن الصحية مثل التمريض، تشغل أقل من 25 في المئة من الوظائف القيادية ومناصب الإدارة العليا في هذا القطاع. وحتى في المهن والوظائف نفسها، نجد أن مرتبات النساء تقل أحياناً بمقدار الثلث عما يتلقاه الرجال، وإن تساوت المؤهلات العلمية وسنوات الخبرة. ورغم ما حققته المرأة من اختراقات واكتشافات علمية عديدة في المجال الطبي خلال العصر الحديث، نجد أن الإناث يشكلن حالياً ثلث الباحثين فقط في المراكز العلمية والبحثية.
وتتعرض النساء أيضاً لمعوقات وصعوبات أكبر وأشد وطأة من تلك التي يتعرض لها أقرانهم من الذكور، مثل التحرش الجنسي، والاعتداء البدني، والاستهزاء والتنمر. وبالنظر إلى حقيقة أن المرأة طالما شكّلت عماد الرعاية الصحية، يصبح من الضروري إزالة هذه المعوقات، وتذليل تلك الصعوبات، إذا ما كان لنا أن نرفع مستوى وكفاءة الخدمات بقطاع الرعاية الصحية.