تبتعد المرأة الخليجية يوماً بعد يوم عن الصورة التقليدية لها في الخليج، أي صورة المرأة ما قبل النفط. وقد ساهمت عوامل كثيرة في ظهور المرأة الجديدة، أهمها التعليم، وعمل المرأة، والاختلاط بالثقافات الأخرى، والتليفزيون، والإنترنت، ومواقع التواصل الاجتماعي، فضلاً عن التوجّهات الداعمة للمرأة، وأخيراً بروز الأصوات النسوية.
والمرأة الجديدة لم تهبط من الفضاء، بل هي حالة تطوّر من جيل بعد جيل، فكل جيل نسائي يبتعد عن الصورة التقليدية للمرأة بمقدار معين، فيبتعد الجيل الذي يليه بمقدار أكبر، حتى وصلنا إلى جيل المرأة الجديدة الحالية، ومن المؤكد أن أجيال المستقبل ستكون أكثر ابتعاداً عن المرأة التقليدية. ويمكن وصف الأمر بارتقاء السلالم، كل جيل يصعد درجاً واحداً تاركاً الجيل السابق خلفه.
ولا يختلف الرجل الخليجي عن المرأة في حالة التطوّر تلك. فالشباب اليوم يختلفون عن شباب ما قبل الألفية الثانية، والذين بدورهم كانوا يختلفون عن شباب فترة السبعينيات وما قبلها. وليس المقصود من مفردة «التطوّر» هنا هو اعتبارها مرادفة لـ «التقدّم»، وإنما توضيح فكرة التغيّر الذي يحصل، أي ابتعاد الفرد الخليجي ذكراً كان أو أنثى عمّا كان عليه الفرد الخليجي في الجيل السابق، وكلما رجعنا إلى الوراء أكثر كانت مظاهر التغيّر أوضح.
وهذا التغيّر ينعكس بطبيعة الحال على العلاقة بين الجنسين، فالمرأة الجديدة لديها وعي أكثر بحقوقها داخل الأسرة بأكثر مما تفرضه لها القوانين، ولديها ثقة بنفسها بدرجة أكبر مما كان لدى الأجيال السابقة، ولم تعد تنظر بعين الرضا للأسس القديمة للعلاقة الزوجية، والتي كانت قائمة على السمع والطاعة وانفراد الرجل بالقرار، بل تتشوّف إلى علاقة قوامها المشاركة في إدارة دفّة السفينة وتقاسم المسؤوليات والعطاء في مقابل الأخذ.
وعدم استيعاب الرجل تغيّر المرأة، وامتناعه عن العمل بمقتضيات هذا التغيّر، يؤدي إلى اختلال العلاقة الزوجية وانهيارها، إذ وعي المرأة الجديدة بأنها ليست في درجة أدنى من الرجل، ورفض الرجل قبول التغيّر الذي طرأ على وعي المرأة بذاتها، رغم أنه هو نفسه قد تغيّر ولم يعد يشبه الرجل التقليدي إلا في نظرته للمرأة، يجعلها تفضّل الانسحاب من علاقة يصرّ الشريك فيها على أن تكون هي كجيل الأمهات رغم أنه هو لا ينتمي إلى جيل الآباء.
وأعتقد أنه لا يمكن إعادة عقارب التغيّر إلى الوراء، وفي ظني أن دعوات العودة التي توجه للمرأة الجديدة المنطلقة لا تلقى آذاناً صاغية منها، كما لا يمكن أن يقبل البشر اليوم العيش من دون الإنترنت مثلاً، فمتى ما أصبح الشيء حقاً مكتسباً، سواء كان هذا الشيء خدمة أو مكانة أو امتيازاً أو وعياً بالذات وبالدور، فلا سبيل إلى قبول المرء التخلّي عمّا كسبه أو توصّل إليه.
قبول الرجل الخليجي بالتغيّر الذي حدث للمرأة الخليجية هو في اعتقادي المسار الصحيح لبناء أسرة متماسكة ومستقرة، خصوصاً لدى الشباب المقبلين على الزواج، فثمة أسس جديدة للعلاقة الزوجية تختلف عن الأسس التي كانت بين الأجداد والجدات، وحتى عن التي كانت بين الآباء والأمهات، والتغيير سُنة الحياة.
*كاتب إماراتي