رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مستعد للتحالف مع الشيطان للفوز بالانتخابات الإسرائيلية المقرة في 9 أبريل المقبل، حتى لو أغضب تحالفُه يهودَ العالم أجمع. فقد احتضن «كاخ» بقيادة الحاخام المتطرف «مائير كاهانا» الذي أسس «رابطة الدفاع اليهودية» الموغلة في التطرف وجماعة «كاخ» الفاشية الدموية، والذي أيضاً أدرجته كل من الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي، وحتى إسرائيل نفسها، على لائحة الإرهاب منذ ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، الأمر الذي اضطر حتى «اللجنة الأميركية الإسرائيلية للعلاقات العامة» (إيباك)، وهي اللوبي الأميركي الأبرز المساند بشكل كامل لسياسات إسرائيل، لإصدار بيان احتجاجي ندد فيه بتحالف نتنياهو. وقد ورد في ذلك البيان الذي لا سابق له: «بإعلان تشكيل حزب (القوة اليهودية) من أتباع الحاخام مائير كاهانا وطموحه في الوصول إلى الكنيست، نضطر اليوم للحديث عن هذا الموضوع. فوجهات نظر حزب (أوتزمي يهودي)، أي (القوة اليهودية)، كريهة ومدانة ولا تعكس القيم الأساسية التي تأسست عليها دولة إسرائيل».
ومن جانبه، قال الكاتب الإسرائيلي شمي شاليف: «يمكن لبيان إيباك أن يربك خطة نتنياهو في استخدام ظهوره أمام المؤتمر السنوي يوم 24 آذار كمنصة مؤكدة للدعاية السياسية، ويحولها إلى مقامرة محفوفة بالمخاطر قد تضره أكثر مما قد تفيده». واستدرك شاليف قائلا: «لا شك أن آلاف المندوبين الذين سيأتون إلى واشنطن في 24 مارس سيحاولون الحفاظ على ما يشبه العمل كالمعتاد، ومن المرجح أن يوافقوا على الترحيب نتنياهو، لكن ما كان يفترض أن يكون مسيرة انتصارية على طريقة نتنياهو الاستعراضية تحول الآن إلى ساحة متوترة مع مخاطر خفية كامنة في كل زاوية».
كذلك، شهدت العلاقات الإسرائيلية مع يهود بريطانيا توتراً. فمن جانبه، قال رئيس الفيدرالية اليهودية في بريطانيا (بول تشيرني) أنه توقع أن تشهد الانتخابات الإسرائيلية الحالية عدة أحداث خارقة، لكنه لم يتوقع أن يشهد تحالفات من هذا النوع. لذلك يقول: «يجب على نتنياهو أن يعلم أن ما قام به من تحالف مع أناس كهؤلاء سيتسبب له بالخراب الذاتي».
أما «حنا ويسفيلد»، رئيسة المنظمة البريطانية «معاً»، المؤيدة لحل الدولتين، فقالت إن «التحالف الجديد لا يمثل قيماً وأفكاراً يحملها كل من يؤمن بالديمقراطية والعدالة، وإن كل تعاون إسرائيلي مع الحكومة البريطانية والجالية اليهودية فيها، يجب أن يخرج ضد هذا التحالف مع القوة اليهودية العنصرية، والداعمة للإرهاب، وذات الأيديولوجية الخطيرة».
صحيح أن الانتقادات، وعلى رأسها بيان «إيباك»، لاحتضان نتنياهو لحزب «القوة اليهودية» العنصري، تلقي الضوء على استياء اليهود الأميركيين حتى الأشد دعماً لنتنياهو، وتفاقم من أزمة الثقة المتصاعدة بين إسرائيل واليهود الأميركيين، لكن بالمقابل، قامت منظمات أميركية بتوجيه الأموال إلى أتباع «كهانا» الجدد. وتقول «ميراف زونسين»: «في السنوات العشرين التي انقضت منذ حظر كاخ، توصل تلاميذ كاهانا إلى طرق لمواصلة دفع أجندة عنصرية معادية للعرب ومعادية للديمقراطية، ولتمويلها. فقد كشف تحقيق جديد تم تنفيذه بالتنسيق مع الكتلة الديمقراطية، وهي منظمة إسرائيلية غير ربحية تأسست عام 2018 من أجل إجراء أبحاث ومراقبة للاتجاهات المعادية للديمقراطية في إسرائيل، عن شبكة من الجماعات المترابطة والأفراد والمواقع الإلكترونية في إسرائيل والولايات المتحدة، بما في ذلك عدة منظمات غير ربحية أميركية، المؤسسات التي يبدو أنها تأسست بغرض تحويل الدولارات المعفاة من الضرائب إلى القضايا الكاهانية، وبعضها مرتبط بشكل مباشر بالجماعات الإرهابية اليهودية». وأضافت: «إذا كانوا في الماضي يعتمدون على آليات سياسية لجمع التبرعات وتجنيد ناشطين، فإننا نتحدث اليوم عن شبكة من المنظمات المتخفية في هيئة مجموعات خيرية وقضايا اجتماعية تجمع الأموال من دولة إسرائيل، ومن خارجها أيضاً، من أجل مواصلة التحريض».
وإذا أعيد انتخاب نتنياهو، الذي رأى «يائير لبيد»، مؤسس حزب «هناك مستقبل»، أنه «فقد كل ضوابطه الأخلاقية نهائياً»، فإن الحزب اليميني المتطرف الجديد، بافتراض حصوله على ما يكفي من الأصوات، سيساعده في الحصول على ائتلاف حاكم من 61 مقعداً على الأقل. هذا ما يراهن عليه نتنياهو، لكن بعض الخبراء يعتقدون أن احتضان نتنياهو لـ«القوة اليهودية» يضعف أحد النقاط الأساسية للحديث التي يستخدمها المدافعون عن إسرائيل لإبعاد الاتهامات عنها عموماً وعن نتنياهو خصوصاً. فشعار الحزب «كهانا حيّ أو على حقّ»، يعني: تعصب قومي وسعي لإقامة دولة الشريعة اليهودية التي ترفض حتى اليهودي العلماني، وليس فيها مكان للعربي.. ما يؤكد أن جذور العنصرية متأصلة في المجتمع الإسرائيلي، وأن التطرف اليميني لم يعد مسألة شاذة لدى الأحزاب الإسرائيلية على اختلاف توجهاتها.
ربما نختم بما قاله الرئيس الحالي لـ«الصندوق الجديد لإسرائيل»، البروفيسور الأميركي اليهودي ديفيد مايرز: «إسرائيل تشهد معركة انتخابية عاصفة، إلا أن قضية الصراع الإسرائيلي الفلسطيني لا تحتل مكانة مركزية فيها. بهذا المفهوم المشروع الاستيطاني انتصر وهذا انتحار قومي».

*كاتب وباحث سياسي