تنعم الإمارات في هذه المرحلة من تاريخها المجيد بثوب رافل من الأمن والسلام والطمأنينة ورغد العيش على صعيدها الداخلي، ويتمتع شعبها الكريم بكل ما وفرته له قيادته الرشيدة التي تعمل جاهدة لتحقيق كل ما هو صالح ومفيد للبلاد وللعباد. لكن على الصعيد الخارجي توجد بعض المنغصات التي تتسبب فيها إيران الجار غير المريح وغير المتسامح، ويسعى إلى التوسع الخارجي وتصدير أنموذجه الطالح إلى جيرانه من دول الخليج والعالم العربي. لذلك فإن الإمارات أصبحت في أمس الحاجة إلى وجود استراتيجية جديدة لذاتها تحمي بها نفسها وتصونها من طمع الطامعين يمكن أن نسميها بـ «استراتيجية الغد».
وبالتأكيد أن الحديث حول استراتيجية الغد يطول شرحه، خاصة لو أردناها استراتيجية شاملة. التركيز سينصب على الأمن الوطني الخارجي كجزء من «استراتيجية الغد». وعلى ضوء ما تمر به البلاد من مخاطر خارجية محتملة، ومشاركتها في التحالف العربي في اليمن، وما يحدث من فوضى وانتكاسات في عدد من الدول العربية، وما يحيط بالعالم العربي من توترات في أكثر من منطقة، فإن ما نعتقده أن الوقت قد حان لإحداث تغييرات ودغدغة صحائف الموازنة بين التزامات الإمارات المستقبلية تجاه أمنها الوطني الخارجي ومواردها المتاحة، وإعادة تعريف مصالحها الجوهرية، وتحديث كيف يمكن لها أن تحمي تلك المصالح بكفاءة واقتدار ضمن تكاليف يمكن لها تحملها كدولة تسعى نحو الرقي الشامل.
وهنا دعونا نقول بأن السياسات الخاصة بالغد والاستراتيجية التي تستطيع الإمارات تبنيها، لابد وأن تنطلق من إرث الماضي، ومن الخطوط الهادية الحتمية للتكنولوجيا المتقدمة، ومن الجغرافيا أو السياسة والاقتصاد، والتي تفرض نفسها على الواقع وعلى تحديد العديد من الأهداف والتطلعات المستقبلية للبلاد، ومن الوسائل والتكتيكات التي مرت عليها ومارستها في تاريخها المجيد، ورغم أنه يمكن أن لا يكون جميع ما مر بها سابقاً هو صالح للاستعمال في الحاضر والمستقبل، فقد تتغير الأمور التي يتم التركيز عليها وإبرازها، إلا أن الغرض الأساسي ثابت وراسخ وهو الأمن الوطني الكامل والمتكامل في أقصى درجاته للبلاد في عالم مستقر، فهذا الغرض سيبقى هو ذاته ما بقي الدهر.
في عالم السياسة والاستراتيجية توجد دائماً مظاهر شكلية تبدو وكأنها تناقضات حتى بالنسبة للهدف الأساسي الخاص بتحقيق الأمن الوطني، وذلك أنه بالنسبة لوجود عالم دون تغيير تصبح المسألة هي وجود عالم افتراضي أو غير واقعي، فمثل هذا العالم لم يتواجد أبداً ولم يعشه الإنسان، وعندما يتواجد التغيير بتواجد عدم الاستقرار، وعليه فإن سياسات الأمن الوطني تحاول استمرار القيام بتحقيق الاستقرار لحالات وأوضاع غير مستقرة، لذلك فهي يجب أن تكون متسعة في ما يتعلق بالمبادئ التي تصنعها لنفسها ومرنة وقابلة لاستيعاب الأوضاع التي تتعامل معها ومع الحالات المتغيرة في التطبيق العملي.
وبالإضافة إلى ذلك، ووفقاً للمصطلحات السياسية والاستراتيجية - الأمنية العسكرية، فإن أية محاولة للاحتفاظ بتوازن القوة في الخليج العربي يجب أن تعني انتهاج وسائل سياسية ودبلوماسية مرنة تعني في جوهرها قدرا من الالتزامات الخارجية والتحالفات والتكتلات والشراكات، وقدرا من الجهود التعاونية المنظمة في إطار من المصلحة التعاونية مع دول أخرى في مواجهة النوايا التوسعية المتغطرسة ونوايا الهيمنة الإيرانية، وللحديث صلة.
*كاتب إماراتي