لا يثور الجدل بشأن جملة من أحكام قانون الأحوال الشخصية التي تقرّر للرجل ما لا تقرّره للمرأة، وفي المقابل لا يتوقف الجدل حول الأحكام المتعلقة بالخُلع والتفريق والحضانة والنفقة، وهي نوعاً ما في صالح المرأة.
وقد يقول قائل إنّ ما قرّره القانون للرجل غير قابل للأخذ والرد لأنه مستمد من الفقه الإسلامي. والجواب على هذا أنّ الأحكام التي يطالب بعضهم بتغييرها مستقاة هي الأخرى من الفقه. إذ اللجنة التي كُلفت بإعداد القانون انتقت من الفقه الآراء الأيسر والأصلح للناس وصاغتها على شكل مواد. ودعاة التغيير يطالبون باعتماد رأي فقهي آخر في هذه المادة أو تلك، بحجة أن بعض الزوجات يستندن إليها للتخلّص من أزواجهن لأسباب مفتعلة، ما ساهم في زيادة الطلاق وتفكّك الأسر.
وهذا في واقع الأمر مجرد ادّعاء، فنحن لا نعرف كم طلاقاً أوقعه الزوج بإرادته المنفردة، وكم خُلعاً أو تفريقاً حكم بهما القضاء بناءً على طلب الزوجة، وكم تفريقاً بُني على أسباب جدّية، وكم طلاقاً وقع قبل إصدار القانون لنقارن حالات الطلاق بالوضع الآن. ولا نعرف عدد حالات الزواج في كل هذه الأحوال. وقد يكون لدى الجهات الرسمية إحصاءات بذلك، لكن دعاة التغيير لا يطرحونها لتسند حجتهم.
كما أن المشرِّع يراعي عند إصدار أي قانون التوازن بين حقوق أصحاب العلاقة فيه. ومن يردّدون أنّ القانون أعطى المرأة الكثير، لا يشيرون إلى أنه أعطى الرجل الحقّ في إيقاع الطلاق بكلمة واحدة منه. في حين أن المرأة لا تملك هذا الحق إلا إذا اشترطته في العقد، وامتلاكها هذا الحق لا يسلب الرجل حقه في إيقاع الطلاق. ويبقى للمرأة طلب الخلع أو التفريق، والمشوار عليها في الحالتين طويل عبر المحاكم، في مقابل كلمة واحدة من الزوج ينهي بها الأمر.
ويعطي القانونُ الحقَّ للرجل في الزواج ببلوغه 18 سنة، من دون تعليق الأمر على إذن غيره، في حين أن زواج المرأة معلق على موافقة الولي، مهما بلغت من العمر. وإذا تعنت، فلابد أن تقيم دعوى، والقضاء لا يزوجها إلا إذا ثبت عضل الولي. وللولي في بعض الأحوال الاعتراض على كفاءة الزوج أيضاً، في حين أن الكفاءة غير مطروحة للرجل عند اختياره شريكة حياته. ويعطي القانون للرجل الحق في التعدّد من دون أن يُطلب على ذلك تفسيراً أو تبريراً، ومن دون اشتراط مجرد إعلامها بزواجه من أخرى، فيمكن أن تبقى غافلة إلى وقت وفاته وخروج ورثة لا يعرفهم أحد.
وإذا ترك الرجل زوجته ليعيش في مكان آخر، فلا تُطلق منه إلا بعد إنذاره بالإقامة معها، ويُمهل لذلك مدة لا تزيد على سنة. وإذا كان محكوماً عليه بالحبس مدة ثلاث سنوات فأكثر، فلها أن تطلب تطليقها بعد مضي سنة من وجوده في الحبس. ولا يحتاج الرجل لإنهاء حياته معها إلى كل هذا لو هجرته أو حُبست.
إذا كان القانون يحتاج إلى تغيير، فنحو إعطاء المرأة المزيد من الحقوق وليس بحرمانها من حقوقها الحالية التي تخفف من ميل الكفة لصالح الرجل‏? .?