مع أن ظاهرة اندماج البنوك الخليجية ليست جديدة، إلا أنها تسارعت في الآونة الأخيرة لتشمل البنوك الكبيرة، وذلك بعد أن اقتصر الأمر في السابق على اندماج البنوك الصغيرة، كالذي تمخض عنه بروز بنك أبوظبي التجاري، بعد اندماج أربعة بنوك صغيرة في أواسط ثمانينيات القرن الماضي.
وتتسارع هذه العملية حالياً بشكل خاص في دولة الإمارات، وذلك بعد أن أثبتت التجارب السابقة صحة وفعالية اندماج البنوك الوطنية، والتي ترتبت عليها نتائج إيجابية عديدة، حيث يمكن الإشارة في هذا الصدد إلى التجربة الرائدة لاندماج بنك دبي الوطني، وبنك الإمارات تحت مسمى بنك الإمارات دبي الوطني، والذي تحول إلى أكبر بنك في دولة الإمارات في حينه برأس مال 7.34 مليار درهم.
وفي نفس هذا الاتجاه اندمج بنك أبوظبي الوطني، وبنك الخليج الأول قبل عامين ليشكلا بنك أبوظبي الأول، وليتحول إلى أكبر بنك في الإمارات واحد أكبر المؤسسات المصرفية في العالم برأس مال 10.89 مليار درهم، في حين ينتظر قطاع المال والأعمال في الدولة اندماج ثلاثة بنوك وطنية أخرى، هي بنك أبوظبي التجاري، وبنك الاتحاد، وبنك الهلال ليتشكل أحد المؤسسات الكبرى في الدولة.
وفي السعودية يجري الحديث عن عمليات اندماج كبيرة، إلا أنه لم تتحد ملامحها بعد ويمكن الإعلان عنها في أي وقت، وكذلك الحال في الكويت، أما في البحرين، فإن الحديث يتداول منذ فترة لعملية اندماج بين بنك البحرين الوطني وبنك البحرين والكويت، علماً بأن اندماج البنك الأهلي وبيت التمويل الكويتي يسير بخطى حثيثة في كل من الكويت والبحرين اللتين تعمل بهما هاتان المؤسستان. وفي عمان اتفق كل من بنك مسقط والبنك الوطني العماني على الاندماج لتشكيل مؤسسة مصرفية كبيرة بالسلطنة، كما توجد توجهات مماثلة لدى بنك ظفار.
ذلك يعني أن القطاع المصرفي الخليجي سيحقق نقلة نوعية في السنوات القليلة القادمة، فالمستوى التنموي الذي وصلت إليه دول مجلس التعاون يتطلب وجود مؤسسات مصرفية ومالية كبيرة قادرة على القيام بعمليات تمويل تتناسب وحجم المشاريع المتوقع تنفيذها في دول المجلس. وذلك إضافة إلى أن عمليات الاندماج - كما توضح التجربة - تؤدي إلى زيادة فعالية المصارف الجديدة وتخفيض التكاليف والانتشار الأوسع، وتوفر إمكانيات جديدة للعمل خارج نطاق الدولة، وهو ما يساهم في تنوع الأنشطة ورفد الاقتصاد المحلي بموارد مالية جديدة.
وإلى جانب ذلك، فإن القطاع المصرفي الخليجي في ظل هذه التوجهات سيتمكن من تقديم خدمات جديدة وأكثر تطوراً، والمؤسسات المندمجة ستمتلك قدرات تنافسية أكبر في الأسواق المحلية والخارجية.
وإذا كانت البنوك الكبيرة في البلدان الغربية تسعى بدورها للاندماج، وذلك رغم القدرات الهائلة التي تتمتع بها، كالحديث الجاري الآن بين «دوتشي بنك» و«كومرز بنك» الألمانيين، فإن المؤسسات المصرفية الخليجية التي تعتبر أقل حجماً وقدرة تعتبر في حاجة ماسة لهذه العملية.
وفي حالة إتمام عمليات الاندماج المتتالية بنجاح - كما هو متوقع - فإنه لا يستبعد أن نشهد في المستقبل عمليات اندماج بين كيانات مصرفية خليجية تابعة لأكثر من بلد خليجي، ما سيشكل نقلة نوعية أخرى على طريق تعزيز القدرات التنافسية محلياً وخارجياً وتداخلاً للمصالح المشتركة التي ستقوي بدورها من التكامل الاقتصادي الخليجي ضمن السوق الخليجية المشتركة، والتي ستعزز بدورها من المكانة الاقتصادية والمالية لدول المجلس في العلاقات الاقتصادية الدولية شديدة المنافسة.