قبل أكثر من عام، أشرت إلى أن الاقتصاد الأميركي يتوجه نحو ركود، والآن يتنبأ آخرون بالشيء نفسه. وتوقعت أن احتمالات حدوث هبوط اقتصادي هذا العام تبلغ نحو الثلثين. والمؤشرات الدالة على الركود متعددة، ومنها: سياسة الاحتياط الاتحادي النقدية المتشددة التي يخشى الاحتياطي الاتحادي نفسه الآن أنها ربما كان مبالغاً فيها، واتخاذ منحنى عائدات الخزانة اتجاهاً يكاد يكون معاكساً، والضعف التدريجي لأسعار الأسهم في نهاية العام الماضي، وضعف نشاط الإسكان، وضعف إنفاق المستهلك.. وهناك تأثيرات الاقتصاد الأوروبي المتدهور وتراجع النمو في الصين، وأيضاً حرب الرئيس دونالد ترامب التجارية مع بكين.
وهناك بالطبع فرصة صغيرة لهبوط سلس، كما حدث في منتصف تسعينيات القرن الماضي. ففي ذاك الوقت، أنهى الاحتياط الاتحادي دورة رفعه لسعر الفائدة وقلص سعر فائدة التمويل الاتحادي دون أن يتبع ذلك ركودٌ. لكني أرى أنه في المرات الاثنتي عشرة الماضية التي قيد فيها الاحتياطي الاتحادي الائتمان في الفترة التالية للحرب العالمية الثانية، تمخض ذلك عن ركود. ومن الممكن أيضاً أن يكون الضعف الاقتصادي الحالي مؤقتاً، لكن التعافي سيقود الاحتياطي الاتحادي إلى فرض المزيد من القيود. وصناع السياسة يريدون سعر فائدة أعلى كي تكون لديهم مساحة كبيرة لتقليص الركود المقبل. والنسبة الحالية التي تتراوح بين 2.25% و2.50% لا تمنحهم الكثير من حرية الحركة. والاحتياطي الاتحادي لا يروقه أيضاً حماس المستثمرين في الإقبال على أصول أكثر خطورة من صناديق التحوط إلى أسهم الأصول الخاصة والقروض الممنوحة لمقترضين أصحاب سجل ائتماني ضعيف، ناهيكم عن أعلى المخاطرات المتمثلة في عملة «بيتكوين». ومع استئناف النمو الاقتصادي، قد يتأجل حدوث كساد ناتج عن تضييق الائتمان إلى عام 2020.
والركود يعيد إلى الأذهان شبح الأزمة المالية في عام 2007 -2009 والتي مثلت أشد هبوط اقتصادي منذ ثلاثينيات القرن الماضي، والتي انخفض فيها مؤشر ساندرد آند بورز بنسبة 57% من قمته إلى قاعه. ورفع الاحتياطي الاتحادي سعر الفائدة المستهدف من 1% في يونيو 2004 إلى 5.25% في يونيو 2006. لكن الحدث الأساسي كان الأزمة المالية الناتجة عن انهيار سوق الرهون العقارية عالية المخاطر والمتضخمة بشدة. وبالمثل، عزز الاحتياطي الاتحادي سعر الفائدة من 4.75% في يونيو 1999 إلى 6.5% في مايو 2000. لكن الركود الطفيف الذي حدث في عام 2001 والذي كان سببه الأساسي انطفاء فقاعة دوت كوم في نهاية التسعينيات، هو ما أدى إلى انخفاض مؤشر ناسداك الذي يضم شركات التكنولوجيا بنسبة كبيرة بلغت 78%.
وكان ركود 1973-1975، وهو ثاني أعمق ركود بعد الكساد الكبير في ثلاثينيات القرن الماضي، ناتجاً عن انهيار تحوط شراء المخزونات الفائضة، منعاً لحدوث تضخم في بداية السبعينيات. وهذا أدى إلى انكماش مؤشر ستاندرد آند بورز بنسبة 48.2%. والتأثير كان طفيفاً لارتفاع سعر الفائدة على التمويل الاتحادي من 9% في فبراير 1974 إلى 13% في يوليو من ذلك العام.
ومرات الركود الثمانية الأخرى فيما بعد الحرب العالمية الثانية لم تكن نتيجة تجاوز مالي أو اقتصادي، لكنها كانت نتيجة الدورة الاقتصادية العادية من إفراط ثقة الأنشطة الاقتصادية والمستثمرين. والانخفاض المتوسط في مؤشر ستاندرد آند بورز بلغ 21.2%.
وحالياً، لا أرى أي فقاعة اقتصادية أو مالية كبيرة توشك على الانهيار. والاحتمالات الوحيدة هي الديون الزائدة عن الحد وسط الشركات غير المالية واقتراض الأسواق الاقتصادية الناشئة بالدولار بكثافة. والإسكان لم يتعاف تماماً من أزمة الرهون العقارية عالية المخاطر. والقطاع المالي مازال يحاول تقليص ديونه بعد الأزمة المالية. وديون المستهلك مازالت كبيرة لكنها أفضلُ نسبةً إلى دخل الأسر مقارنة بما بلغته من قمة في عام 2008.

*مستشار استثمارات ومؤلف كتاب «عصر تقليص الديون»
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»