زادت الفجوة بين الأغنياء والفقراء في الهند بالتزامن مع ازدهارها الاقتصادي. لكن في خضم هذا التباين، حظي مجتمع العمل الخيري الهندي بدفعة قوية من تبرّع سخي قدمه رجل الأعمال الملياردير «عظيم هاشم بريمجي»، رئيس مجلس إدارة شركة «ويبرو» لتكنولوجيا المعلومات، حيث قدم 34 في المئة من أسهمه في شركة «ويبرو»، والتي تقدر قيمتها بـ7.5 مليار دولار، خلال الشهر الجاري لمؤسسته الخيرية.
وبهذا التبرع الكبير، يعتبر عملاق البرامج الإلكترونية البالغ من العمر 67 عاماً واحداً من أكبر المانحين في آسيا، وقد كان أول هندي ينضم إلى مبادرة «بيل جيتس» و«وارين بافيت» المعروفة «بتعهد المنح»، لتحفيز أصحاب المليارات على تقديم تبرعات لأعمال خيرية. وقد بلغ إجمالي المساهمات الخيرية التي قدمها «بريمجي» زهاء 21 مليار دولار حتى الآن، بفارق كبير عن أي ملياردير آخر في الهند.
وفي الحقيقة، لا يشتهر أصحاب المليارات في الهند بفعل الخير، وكانت الأعمال الخيرية في مرحلة أولية، قبل أن يقدم «عظيم هاشم بريمجي» على تقديم التبرعات ويقدم المليارات لعمل الخير في دولة لا يزال ملايين الأسر فيها تعيش تحت خط الفقر.
و«بريمجي» شخصية مثابرة، فقد اضطر إلى التخلف عن دراسته في جامعة «ستانفورد» في الولايات المتحدة والعودة إلى وطنه في سنّ الـ21 بسبب وفاة والده. ومن ثم، تولى مسؤولية أعمال زيوت الخضراوات التي كانت تعمل فيها الأسرة، لكنه حوّل انتباهه إلى مجال تكنولوجيا المعلومات الناشئ آنذاك، وحول شركة «ويبرو» إلى واحدة من أكبر شركات تكنولوجيا المعلومات في الهند.
وفي عام 2012 وحده، حققت «ويبرو» إيرادات تزيد على 7 مليارات دولار. والرجل الذي، اشتهر بنمط حياة عادي، لا يزال يجلس لتناول الطعام في مطعم الشركة، ويسافر على الدرجة الاقتصادية. وكانت والدة «بريمجي» طبيبة، كرست حياتها لبناء وإدارة مستشفى خيري للأطفال المصابين بشلل الأطفال والشلل الدماغي.
ويتولى «بريمجي» الآن مسؤولية العمل الخيري للعائلة، فيضخ مليارات الدولارات في نظام المدارس الحكومية، والذي يعاني من ضعف الموارد وانخفاض المعايير، حيث يُقدّم التعليم مجّاناً.
ومن المعروف أن قطاع التعليم الهندي في أمسّ الحاجة إلى التمويل، فالتعليم في المدارس الحكومية دون المستوى، حتى على رغم من ارتفاع معدلات التعليم في الهند من 64 في المئة في 2001 إلى 74 في المئة في 2011. وأوضحت «مؤسسة عظيم بريمجي» أن الأموال المُتبرع بها ستخصص لافتتاح مبنى جامعة في غضون ثلاث سنوات. وإضافة إلى ذلك، تقدم المؤسسة منحاً إلى منظمات غير حكومية تعمل في مشاريع خاصة بأصحاب الاحتياجات الخاصة، وتعالج مدمني المخدرات وتتصدى للعنف ضد المرأة.
وفي حين يسبق «بريمجي» أصحاب المليارات الآخرين في الهند، فإن الأعمال الخيرية لا تزال في مرحلة ناشئة، حيث توجه الهبات فقط لبناء المعابد والمستشفيات أو لإطعام الفقراء. لكن الآن، بعد الخطوات التي خطاها «بريمجي»، أقدم عدد كبير من أصحاب المليارات على التعهد بمبالغ كبيرة لعمل الخير. وجاء أغنى رجل في الهند «موكيش أمباني» في صدارة قائمة «هورون الهند للأعمال الخيرية» لعام 2018 بتبرع بلغ 4.37 مليار روبية لصالح تنمية التعليم والرعاية الصحية والتنمية الريفية. وأما عملاقة التكنولوجيا الحيوية والمديرة المفوّضة لشركة «بيوكون» «كيران مازومدار شاه» فقد تعهّدت بتقديم 75 في المئة من ثروتها والتي تقدر بأكثر من 3.5 مليار دولار.
والملياردير الآخر الذي تعهّد بالتبرع بثروته هو «نادان نيليكاني»، المؤسس المشارك لشركة «إنفوسيس» لتكنولوجيا المعلومات، ويُقدر صافي قيمته بـ2.1 مليار دولار، وتعقد بتقديم نصفها للأعمال الخيرية.
ويزداد الأثرياء في الهند ثراء، مع شعور كثيرين بأن أصحاب المليارات الهنود بمقدورهم تحمل مزيد من الأعباء. وبحسب قائمة «فوربس» لعام 2019، لدى الهند 106 مليارديرات، وزادت الثروة التي يمتلكها الواحد في المئة الأكثر ثراء في الدولة إلى زهاء 21 ألف مليار روبية في عام 2017، وهو ما يساوي إجمالي ميزانية الحكومة الفيدرالية في ذلك العام، حسب تقرير صادر عن منظمة «أوكسفام» في الهند.
ومع زيادة أصحاب المليارات، بحسب قائمة «فوربس» لعام 2019، أصبحت الهند ثالث أعلى دولة لديها عدد من الأفراد فاحشي الثراء، لتأتي بعد الصين والولايات المتحدة. ومن حيث الحجم، أكدت الدراسة السنوية لمنظمة «أوكسفام»، أن ثروة أصحاب المليارات في الهند زادت العام الماضي بنحو 70 مليار دولار.
وتشير تقديرات وسائل الإعلام الهندية إلى أنه، مع استبعاد مساهمة «عظيم بريمجي»، فإنه على رغم من زيادة عدد الأفراد فاحشي الثراء في الهند بنسبة 12 في المئة خلال السنوات الخمس الماضية، فإن التبرعات للأعمال الخيرية تراجعت في الحقيقة بنسبة 4 في المئة خلال الفترة ذاتها. وهو ما يعني أن الأثرياء في الهند لا يزال أمامهم شوط كبير ليقطعوه على طريق فعل الخير مقارنة بالدول الغربية، لاسميا الولايات المتحدة. فبيل جيتس، الذي يُقدّر صافي ثروته بنحو 96.5 مليار دولار وهب 37 في المئة على الأقل من ثروته لمؤسسة «جيتس» للأعمال الخيرية، وتعهد «وارين بافيت» بمنح 99 في المئة من ثروته المقدرة بنحو 82.5 مليار دولار.
*رئيس مركز الدراسات الإسلامية- نيودلهي