ما حدث في مدينة كرايست تشرتش يوم الجمعة الماضي هو بكل تأكيد هجوم إرهابي. البعض تحدثوا عن «طلقات نارية قاتلة»، وآخرون تحدثوا عن هجوم.. لكن كلّا! فعندما يرتكب شخص ما عملاً له دوافع سياسية، بشكل عنيف، ضد مدنيين، فالأمر يتعلق بإرهاب. أما كون ذالك العمل قد استهدف مسلمين ولم يُرتكب من قبل مسلمين، فهذا لا يغير من واقع الأمر شيئاً. وبالتالي فإن ما وقع هو بكل تأكيد هجوم إرهابي ارتُكب ضد مسلمين في نيوزيلندا.
لكن، هل يتعلق الأمر بعمل يندرج ضمن الإسلاموفوبيا؟ البعض يرفضون هذا المفهوم، بل يرفضون حتى المصطلح؛ والبعض يقولون، بشكل غير علمي مطلقاً، إن هذا المصطلح اخترعه ملالي إيرانيون للحؤول ضد أي انتقاد للإسلام! والحال أن المصطلح ابتكره علماء اجتماع فرنسيون من أجل وصف وضعٍ كولونيالي في بداية القرن العشرين في المستعمرات الفرنسية. بيد أنه عندما يهاجم شخصٌ مسلمين لأنهم مسلمون، وعندما يقتلهم في مسجد، كيف لنا أن نتحدث عن شيء آخر غير الإسلاموفوبيا؟ ولا شك أن المرء حرٌّ في انتقاد المسلمين، لكن عندما يتم ارتكاب أعمال بهذا القدر من العنف بسبب كره دينهم، وبسبب كرههم كمسلمين، فإننا بكل تأكيد إزاء الإسلاموفوبيا، وإنكار هذه الكلمة وهذا المفهوم، هو بمثابة هجوم على الضحايا للمرة الثانية.
وفي الآونة الأخيرة، كثيراً ما حدثت هجمات إرهابية باسم الإسلام. وبالطبع فالأمر يتعلق برؤية مشوهة كلياً للإسلام، لكن تلك الأعمال ارتُكبت باسمه فعلاً. غير أن المتطرفين المسلمين لا يحتكرون الإرهاب وحدهم. وقد رأينا ذلك في النرويج مع أندريس بريفيك الذي شن هجوماً ضد من يدافعون عن رؤيةٍ متعددة الثقافات للمجتمع.
وقبل ثلاث سنوات، كان باتريك كالفار، الذي كان مديراً للاستخبارات الداخلية في فرنسا وقتئذ، قد حذّر من الخطر الحقيقي المتمثل في إقدام متطرفين من اليمين على ارتكاب هجمات ضد المسلمين ومساجدهم. والواقع أن الهجمات ضد المسلمين ومساجدهم متكررةٌ إلى حد ما، لكن هذا النوع من الهجمات الإرهابية الذي يسفر عن سقوط قتلى لم يحدُث بعد لحسن الحظ، ومع ذلك فخطره قائم وماثل.
واللافت هو أن برينتون تارنت قال إن فكرة ارتكاب هجوم عنّت له بعد زيارة قام بها لفرنسا. وهنا يتعين الاعتراف بأن النقاشات الجارية في فرنسا حول الإسلام كثيراً ما كانت محمومة ومطبوعة بالتعصب. وإلى ذلك، فإن المجلات التي تنشر عناوين مثيرة للخوف حول الإسلام وتصوِّره كتهديد والمسلمين على أنهم خطر، تطبع النفوس وتؤثر فيها. وبالطبع فقد يكون محتوى الملف المنشور داخل المجلة أكثر اتزاناً وتوازناً، لكن الكثير من الناس لا يرون سوى أغلفة المجلات والصفحات الأولى للجرائد المعروضة للبيع في الأكشاك.
وإلى ذلك، فإن العنصرية المعادية للمسلمين أو الإسلاموفوبيا لا تحارَب بشكل كاف في وسائل الإعلام. ففي كثير من الحالات، نسمع خطاباً يصم المسلمين بشكل صريح، لكنه يقدَّم على أنه تناظرٌ حر، وعلى أنه رأي. لكن كلّا، فالعنصرية مجرَّمة في فرنسا ويعاقب عليها القانون. لهذا، ينبغي ألا نسمح بخطابٍ يصم المسلمين، ويتعمد تخويف الناس منهم. كما أن هذا الهجوم ينبغي أن يدفعنا للتفكير بشكل عميق حول نقاشاتنا.
والواقع أن فكرة صِدام الحضارات، كنظرية سياسية، لم تتحقق على صعيد الاستراتيجية العالمية ولم تنتصر. فهذا لم يحدث في الحقيقة. لكننا نرى بكل وضوح أنها نجحت في أذهان كثير من الناس وانتصرت. وإذا كان ثمة برنامج مشترك، في النهاية، يجمع بين معتنقي الإسلاموفوبيا والإرهابيين المسلمين، فيكمن في القول إن المسلمين والغربيين لا يستطيعون العيش معاً، وإن العالم الغربي والإسلام متنافران لا ينسجمان. ولهذا، ينبغي محاربة هذا الإقصاء المزدوج، وخطاب الكراهية هذا الذي يمكن أن يتبناه الطرفان، وينبغي بالمقابل أن تكون الكلمة الأخيرة للخطاب الذي يشدد على العيش المشترك. كما ينبغي أن نحارب كل أشكال العنصرية، وألا نسمح بأن تكون العنصرية ضد المسلمين معركةً أقل أولوية من أشكال المعركة الأخرى ضد العنصرية.

*مدير معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية -باريس