يشير مفهوم أو مصطلح المساواة بين الجنسين إلى الحالة التي يتوفر فيها كامل المساواة في الحصول على المصادر المتوفرة، وفي استغلال الفرص المتاحة، بغض النظر عن الجنس أو النوع، بما في ذلك المشاركة الاقتصادية، والمساهمة في صنع القرار، بالإضافة إلى تقدير واحترام الفروقات الشخصية في السلوكيات، وفي التطلعات، وفي المطالبة بالعدل والمساواة في توزيع المصادر وتحقيق الآمال.
    
وتتجسد مظاهر عدم المساواة بين الجنسين في المجتمع من خلال عدة صور، مثل: 1- فقدان التوازن في العلاقة الشخصية بين النساء والرجال، بشكل يجعل النساء هن الطرف الأضعف غالباً في تلك العلاقات. 2- بعض الموروثات الاجتماعية التي غالباً ما تمنح النساء فرصة أقل في التعليم والتوظيف، أو التوظيف بأجر أدنى. 3- الاعتقاد السائد بأن الإنجاب هو الوظيفة الأساسية للمرأة، وربما حتى الوظيفة الوحيدة للمرأة داخل المجتمع. 4- انتشار ظاهرة العنف البدني، والجنسي، والنفسي ضد النساء، وتقبل هذه الظاهرة على أنها جزء من العلاقة الطبيعية بين الجنسين. 5- وأخيراً تعرض النساء بشكل أكبر للسلبيات الصحية الناتجة عن الفقر، الذي يعتبر عائقاً أمام التمتع بصحة جيدة لدى الجنسين، وإن كان تأثيره يتضح بشكل أعمق على المرأة. حيث يتسبب الفقر في انخفاض متوسط عمر المرأة بمقدار الثلث تقريباً، أو ما يعادل 26 عاماً، تفقدها المرأة القاطنة للدول الفقيرة مقارنة بمثيلاتها في الدول الغنية.
وفي الوقت الذي تحمل المساواة بين الجنسين، أو بالأحرى عدم المساواة بين الجنسين، في طياتها، العديد من التبعات السلبية، على الجوانب الاقتصادية، والاجتماعية، والسياسية، نجد أن الجانب الصحي لا زال لا يحظى بنفس المساحة من الوعي العام مقارنة بالتبعات السلبية على الجوانب الأخرى.
وتتضاعف التبعات الصحية لفقدان المساواة بين الجنسين، بناء على أن نوع الجنس، ذكراً أم أنثى، يؤثر بشكل فادح على الجوانب المختلفة للحالة الصحية، بما في ذلك احتمالات الإصابة بأمراض معينة، أو الانفراد والتميز بأنواع خاصة من الأمراض التي لا تصيب الجنس الآخر، أو على متوسط العمر، أو أحياناً حتى على الممارسات الطبية، وعلى مخرجات العلاج. وهذه الفروق لا تعتمد فقط على الاختلافات البيولوجية والفسيولوجية والتشريحية المعروفة بين الجنسين، بل تتأثر أيضاً إلى حد كبير بالتفرقة الاجتماعية الثقافية، وبالتحديد التمييز السلبي ضد الفتيات والنساء.
وإذا ما خصصنا الحديث عن العنف ضد النساء، كقضية صحية مجتمعية، فيعتبر حسب الاتفاقيات الدولية انتهاكاً للحقوق الإنسانية، وشكلاً من أشكال التمييز ضد النساء. ويتضمن هذا الشكل من العنف، جميع أفعال العنف المبنية على جنس الضحية، والتي يمكن أن ينتج عنها أذى وضرر جسدي، أو جنسي، أو نفسي، أو مادي، بما في ذلك التهديد بالعنف، والإكراه، وسلب الحرية، سواء كانت تلك الأفعال في أماكن عامة، أو في ظروف وأماكن خاصة، وللأسف غالباً ما يبدأ العنف ضد النساء حتى قبل أن يولدن، ضمن ظاهرة إجهاض الأجنة الإناث، ووأد البنات. هذه الظاهرة، والمعروفة بمأساة مئة المليون امرأة مفقودات، تشير إلى عدد الإناث الذي يعتقد أنهن أجهضن كأجنة، أو تم وأدهن كبنات، في الغالب نتيجة لاعتبارات اقتصادية واجتماعية، وبما أن هذا الإجهاض، وذلك الوأد، يتم لكونهن مجرد إناث، كما أن العديد من جرائم العنف ترتكب ضدهن قبل بلوغهن في السنوات الأولى من العمر، يصبح من أفضل استخدام مصطلح أو تعبير العنف ضد الإناث، بدلاً من العنف ضد النساء، حيث يوحي المصطلح الأخير أن جرائم العنف تلك ترتكب ضد من بلغن منتصف العمر وأصبحن نساء يافعات.
ومن الواضح أن الجوانب المختلفة للحالة الصحية للنساء حول العالم لا يمكن رفع مستواها، وتحسين مقاييسها، ودعم مخرجاتها، من دون منح الإناث حقوقاً وفرصاً متساوية مع الذكور، من خلال مكافحة أشكال التمييز، والتفاوت، والتباين، واللاتساوي، الذي ينعكس سلباً على صحة النساء والفتيات حول العالم.
*كاتب متخصص في الشؤون العلمية والطبية