عندما التقى دونالد ترامب ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في البيت الأبيض يوم الاثنين الماضي، لاطف نتنياهو الرئيس الأميركي بمزحة، فقال له أمام «الصحافيين» إنه أحضر له «صندوقاً من أفخر أنواع الخمور من الجولان»، وسأله ما إذا كان يمكنه تقديمها لمساعدي الرئيس، إذ يعرف عن ترامب عدم معاقرة الخمر. ثم عدّل رئيس الوزراء طلبه بمزحة أخرى أثارت قهقهات موظفي البيت الأبيض: «آمل ألا يفتحوا تحقيقاً بشأننا!». ويكشف هذا المشهد عن العلاقة الوثيقة بين الثنائي. فنتنياهو كان يستعرض الانتصار السياسي الأخير الذي حققه ترامب، حيث كشف التحقيق الذي أجراه المحقق الخاص روبرت مولر بشأن التدخل الروسي في الانتخابات الأميركية عام 2016، أن الرئيس لم يتآمر مع الكرملين. وبغض النظر عن الاتهامات والإدانات الجنائية التي أحاطت بمقربين من ترامب خلال العامين الماضيين، أو جهود إدارته والمشرعين الجمهوريين خلال الأسبوع الجاري، لإخفاء التقرير الكامل عن الرأي العام، فقد آن الأوان للاحتفاء!
ومن جانبه، ردّ ترامب الجميل، وفي يوم الاثنين الماضي وقّع إعلاناً يمنح الاعتراف الأميركي رسمياً بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان السورية، التي احتلتها عام 1967، وضمتها في عام 1981. وعلى الرغم من أن المجتمع الدولي لا يزال يعتبرها أراضي سورية محتلة، إلا أن إعلان ترامب، مثل القرارات الأخرى التي اتخذتها إدارته فيما يتعلق بإسرائيل، يشكل تراجعاً عن السياسات الأميركية المستمرة منذ عقود.
وحذّر المنتقدون من أن ترامب كان يحاول إبهار الجماهير برمزية قراراته، لكنه بذلك يضع سابقة جديدة مثيرة للمخاوف من شأنها أن تبرر لدول أخرى توسيع أراضيها من خلال الاحتلال. لكن جلّ تلك الاعتبارات كانت ثانوية أمام مسألة أخرى هي تقديم «هدية سياسية» لنتنياهو الذي يواجه معركة صعبة قبيل الانتخابات العامة المزمع إجراؤها في التاسع من أبريل المقبل.
وزعم المحللون أنه كان مثالاً آخر على كيفية مؤازرة قائدين ينتميان لجناح اليمين كل منهما للآخر عبر المحيطات. فدعم ترامب نتنياهو بسلسلة من التحركات أحادية الجانب رحب بها اليمين الإسرائيلي، بما في ذلك اعتراف البيت الأبيض بالقدس عاصمة لإسرائيل واقتطاع أموال من برامج المساعدات الفلسطينية. ومن جانبه، ذهب نتنياهو، المقرب من «المحافظين» الأميركيين، إلى حدّ مساندة السياسات الكبرى لترامب، بداية من انسحابه من الاتفاق النووي الإيراني إلى بناء جدار على الحدود مع المكسيك.
وكتب «شالوم ليبنر»، المحلل لدى «المجلس الأطلسي» للأبحاث: «إن ترامب ونتنياهو ينتميان إلى تيار سياسي واحد، وقد شكلا تحالفاً تكافلياً»، مضيفاً: «إن ودّ ترامب تجاه إسرائيل، والذي يعود إلى نجاح نتنياهو في كسب صداقته، يدعم حظوظ رئيس الوزراء». وعندما يرد بامتنان عن طريق كيل المديح لترامب، يعزز نتنياهو وضع الرئيس بين مؤيديه من الجمهوريين والإنجيليين.
وبالطبع، لذلك تكاليف سياسية، لاسيما ضعف التأييد المستمر لإسرائيل بين الديمقراطيين. ومثلما أوضح «جيرمي بن آمي»، رئيس منظمة «جيه ستريت» الليبرالية المدافعة عن إسرائيل، فـ«إن أكبر مأساة في عصر نتنياهو هي تحويله إسرائيل إلى ملعب كرة قدم سياسي»، مضيفاً: «إن تقارب ترامب ونتنياهو مع مجموعة من القادة القوميين غير الليبراليين، يتعارض أيضاً مع (القيم الأساسية) للغالبية العظمى من اليهود الأميركيين».
لكن، حتى الآن لدى نتنياهو مشكلات أكبر عليه التعامل معها في الداخل. فعلى النقيض من الوضع في واشنطن، يسعى المدعي العام الإسرائيلي إلى إدانة رئيس الوزراء في ثلاث قضايا فساد منفصلة.
بيد أنه، مثل الرئيس ترامب، أضحى نتنياهو خبيراً في التصدي لأعدائه بينما تتزايد اتهامات الفساد ضده.

*كاتب متخصص في الشؤون الخارجية
يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»