مضى عام تقريباً منذ أن دخلت العقوبات الاقتصادية والمالية والتجارية الأميركية على إيران حيز التنفيذ لتشمل قطاعاتها الحيوية، كالنفط والغاز، وهي فترة كافية لتقييم أثر هذه العقوبات والنظر في أساليب التهرب منها والتي تمتلك إيران فيها خبرة ليست بالقليلة، تلك الخبرة التي اكتسبتها على مدى أربعين عاماً. على الرغم من أن جدية إدارة الرئيس ترامب تختلف تماماً عما سبقها من إدارات في ما يتعلق بتنفيذ العقوبات، إلا أنه مازال هناك طرق وأساليب ملتوية يستخدمها نظام الملالي في طهران للالتفاف على هذه العقوبات باستخدام أسواق دول مجاورة أو أنظمة تابعة ومتعاونة معه، حيث تتنوع هذه الأساليب وفق وضع وإمكانيات الدول المتعاونة، والتي يعتبر بعضها حليفاً للولايات المتحدة.
أولاً هناك الخروقات العراقية، حيث كشف مؤخراً عن تهريب صادرات النفط الإيرانية إلى الأسواق الآسيوية عن طريق ميناء البصرة بعد تغيير شهادات التصدير ووسمها بوثائق عراقية مزورة، كما أن الرئيس حسن روحاني رجع من زيارته الأخيرة لبغداد في بداية شهر مارس الجاري، وفي جيبه 4 مليارات دولار وفق ما صرح به محمد جواد جمالي عضو لجنة الأمن والخارجية بالبرلمان الإيراني، مبرراً ذلك بأنه التزامات عراقية تجاه طهران! علماً بأنه لم يذكر أية التزامات بالضبط، كما أنه لا يمكن نقل هذا المبلغ الضخم نقداً بالكامل، إذ أنه لا بد وأن يمر عبر مؤسسات مصرفية ومالية، بما فيها البنك المركزي العراقي، إذ يتوقع أن تكون إدارة ترامب التي التزمت الصمت على علم بذلك.
ثانياً: هناك خروقات من نوع آخر يتعلق بمعاملات طهران المالية، وهي تتم أساساً من خلال السوق المالية القطرية، فالمؤسسات المصرفية والمالية القطرية لا زالت تتعاون وبصورة كبيرة ووثيقة مع النظام المالي الإيراني الخاضع للعقوبات الأميركية، وهنا أيضاً تلتزم إدارة الرئيس ترامب الصمت!
ثالثا، هناك تضاعف في حجم التبادل التجاري بين طهران وبعض الدول المجاورة، كلبنان وتركيا، حيث يوفر ذلك لطهران منافذ تصديرية مهمة تدر عليها عملات أجنبية هي في أمس الحاجة إليها، وذلك إضافة إلى استمرار الإعفاءات التي منحتها واشنطن لأهم مستوردي النفط الإيراني، كالهند والصين وتركيا وكوريا الجنوبية، والتي ساهمت في عدم تصفير هذه الصادرات، كما وعدت إدارة ترامب، مما منح النظام الإيراني حزمة أكسجين لا زال يتنفس من خلالها متحدياً تلك العقوبات.
هل تقف الإدارة الأميركية عاجزة أمام عدم التزام الدول السابقة بالعقوبات المفروضة على طهران؟ علما بأنها في المجمل دول حليفة لواشنطن، كالعراق وقطر، أم أن ذلك يتم بترتيب مع هذه الدول التي لا تستطيع مخالفة واشنطن متى ما قررت تشديد العقوبات من خلال إغلاق هذه النوافذ المفتوحة أمام طهران والتي تساهم في إضعاف أثر العقوبات وتشجع طهران على المعاندة وزعزعة استقرار الدول المجاورة وتوتير الأجواء الإقليمية المحيطة من خلال التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى.
يتم ذلك في الوقت الذي التزمت به بعض البلدان من داخل وخارج منظمة «أوبك» بالمساعدة على استقرار إمدادات النفط، وبالتالي الاقتصاد العالمي من خلال زيادة الإنتاج لتفادي أي نقص في الإمدادات قد ينجم عن توقف صادرات النفط الإيرانية للأسواق الدولية، تلك البلدان التي تفاجأت بالإعفاءات الأميركية لبعض الدول، والتي لم تطلبها ولم تسع إليها أصلاً، وإنما جاءت تبرعاً من الإدارة الأميركية التي حددت استمراريتها حتى بداية شهر مايو القادم، وذلك في حالة عدم تجديدها.
الحقيقة، أن العقوبات أكثر فعالية من سابقتها باعتراف ممثلي النظام الإيراني، بمن فيهم المرشد والرئيس، إلا أنها في الوقت نفسه غير فعالة بما فيه الكفاية بسبب الإعفاءات والخروقات التي أشرنا إليها، مما يتطلب اتخاذ مواقف أكثر وضوحاً وصرامة لضمان استقرار منطقة الخليج العربي والشرق الأوسط والذي تلعب فيه إيران دوراً تخريبياً يساهم في عدم الاستقرار الاقتصادي والمعيشي، وبالأخص للشعب الإيراني.
*مستشار وخبير اقتصادي