عندما ذاع الخبر يوم الجمعة الماضي حول انتهاء المحقق الخاص روبرت مولر من تحقيقه في التدخل الروسي في انتخابات 2016 الرئاسية في أميركا، استولى الخبر على انتباه الإعلام الوطني على الفور. خلاصات تحقيق مولر ينبغي أن تنشر كاملة حتى يتسنى للجمهور الاطلاع عليها، ولكن التقارير الأولية تشير إلى أن هوس بعض المنابر الإعلامية لسنوات بـ«روسيا-غيت» («فضيحة روسيا») يمكن أن يكون واحداً من أكبر الإخفاقات الإعلامية منذ فترة ما قبل حرب العراق – وهو واحد من أسباب كثيرة تؤكد لماذا تستلزم ذكرى غزو العراق التي حلت الأسبوع الماضي مزيداً من التفكير.
في 19 مارس، حلت الذكرى السادسة عشرة للحرب التي شنها جورج دبليو. بوش في العراق، خطأ أثبت أنه أكثر كارثية مما توقعه حتى أشد الناس معارضة للحرب وقتئذ. اليوم، هناك اتفاق واسع على أن تلك الحرب مثلت خطأ، فحتى الرئيس دونالد ترامب خاض حملة ضدها في 2016، وإن على نحو غريب. ولكننا ما زلنا - كبلد - لم نتدبر بشكل كامل العواقب المستمرة للحرب، وبينما نكافح من أجل منع وقوع إخفاقات أخرى مستقبلاً تحت الإدارة الحالية، فإنه من المهم جداً ألا تغيب عن أنظارنا تكاليف قراراتنا الماضية – أو غياب المحاسبة عن الأضرار الكبيرة جداً الذي تسببت فيها.
في السنوات الثماني الماضية، وثّق الباحثون في «مشروع تكاليف الحرب» في معهد واتسون للشؤون العامة والدولية التابع لجامعة براون الأميركية العريقة حصيلةَ حروب أميركا بعد 11 سبتمبر. ويُظهر عملهم القيّم التكاليفَ البشرية والسياسية والاقتصادية الكارثية للحروب.
فبنهاية هذا العام، ستتجاوز تكلفة الحروب في الشرق الأوسط في مرحلة ما بعد 11 سبتمبر 2001 قرابة 6 تريليونات دولار، متجاوزةً بسرعة توقعات إدارة بوش الأولية. هذا الإنفاق الحربي الباهظ خنق الاقتصادَ الأميركي، وأدى إلى ارتفاعات صاروخية في العجز استُخدمت لاحقا في تبرير خفض كبير في البرامج الحكومية الأساسية. وتشير تقديرات الباحثين إلى أن ما يصل إلى 3 ملايين وظيفة إضافية كانت ستُخلق لو أن تمويل الحرب استُخدم بدلاً من ذلك في التعليم، والرعاية الصحية، والطاقة النظيفة. وعلاوة على ذلك، فإن أكثر من 6800 جندي أميركي فقدوا أرواحهم (بمن في ذلك قرابة 4500 في العراق)، بينما جُرح وأصيب عدد أكبر بإعاقات جسدية.
ورغم كارثية النتائج بالنسبة للولايات المتحدة، إلا أن العواقب كانت أسوأ وأشد وطأة بالنسبة للبلدان التي ذهبنا للحرب ظاهرياً من أجل «تحريرها». فأكثر من 200 ألف مدني في العراق وأفغانستان وباكستان قُتلوا في هذه الحروب. وأكثر من 10 ملايين اضطُروا للنزوح عن مناطقهم. وفضلاً عن ذلك، فإن الكثير من الأشخاص فقدوا إمكانية الوصول إلى الماء النظيف، وخدمات الرعاية الصحية، وإمدادات الطعام. وعلى الرغم من بروباجندا إدارة بوش المدافعة عن الحرب، فإن الحروب فشلت في وقف انتشار الإرهاب وعنف المتطرفين عبر المنطقة – بل غذّته في بعض الأحيان.
غير أن الشخصيات العامة التي تزعمت حروب أميركا الكارثية ودافعت عنها ونفذت لم تحاسَب يوماً. وإذا كانت تلك الشخصيات الصقورية ما زالت تواصل عرض بضاعتها، فإن الزعماء التقدميين الذين يدركون تكاليف الحرب التي من دون نهاية أخذوا يفرضون تحولاً في النقاش. فهذان المرشحان الرئاسيان السيناتورة الديمقراطية إيليزابيث وارن، والسيناتور المستقل بيرني ساندرز وقعا تعهداً بجلب «نهاية مسؤولة وسريعة» لتدخلات أميركا العسكرية في أفغانستان وسوريا وغيرهما.
واليوم وبعد 16 عاما على حرب العراق، تفرض الأصوات الداعية للواقعية وضبط النفس ضرورةَ الإصغاء إليها. لقد حان الأوان لتفكير وطني في الحصيلة الكارثية للحرب التي لا نهاية لها، بما في ذلك محاسبة الأشخاص الذين دفعتنا قراراتُهم وأعمالهم المتهورة إلى الكارثة. كما أننا بحاجة إلى مكان من أجل اختلاف حقيقي عن آراءِ مؤسسة سياسة خارجية خذلتنا بكل وضوح. وإلا، فإنه سيكون مكتوباً علينا تكرار أخطائنا السابقة.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»