كُتب الكثير عن الإسلام وعلاقته بالغرب، وهناك أدبيات غزيرة في هذا المجال، لكن تبقى لكتاب الرئيس الأميركي السابق ريتشارد نيكسون، وعنوانه «الفرصة السانحة»، أهمية سياسية واستراتيجية خاصةٌ، كونه يتحدث عن توجهات الولايات المتحدة الأميركية في المستقبل نحو العالم الإسلامي، وكون مؤلفه بدا واضحاً وصريحاً في تناول موضوعه، وقد استطاع تشخيص «الحالة الإسلامية» من وجهة نظر السياسة الأميركية على العموم، وانطلاقاً من تجربته السياسية على الخصوص فيما يتصل بالعالم الإسلامي. حاول نيكسون في هذا الكتاب أن يرسم خارطة استراتيجية واضحة للإدارات الأميركية التي تأتي من بعده، وقال إن الإسلام يمثل قوة جيوبولتيكية كبيرة، وإن المسلمين إذا ما توحدوا فسيشكلون قوة موازنة للغرب. وحدد صفتين يشترك فيهما المسلمون جميعاً:
1- إيمانهم بالدين الإسلامي، وهذا له أكبر الأثر في عدم تغلغل قوى خارجية.
2- عدم القابلية للاستفزاز سياسياً من طرف القوى المهيمنة.
ويبين نيكسون وجود تنافس قوي بين الدول الإسلامية، ما يجعل الخلافات والحروب الداخلية بينها تظهر واضحةً للعلن، وأحياناً على شكل صراعات مسلحة. ويعود ذلك إلى أسباب أهمها الزيادة السكانية الكبيرة في بعض الدول، ما يؤدي إلى التراجع في معدلات التنمية، والذي ينتج عنه هبوط مستمر في مستوى المعيشة وافتقار الدول إلى القدرة على السيطرة على الأمن والاستقرار. لكنه يشير إلى جوهر القوة في هذه الدول، وكونه يكمن في تجمعها ووحدتها في رابطة روحية واحدة، رغم افتقارها إلى الوحدة السياسية، كما قائم بين الدول الغربية التي آمنت حكوماتها وأحزابها بسياسة السوق الحرة، مع الإبقاء على دور خدمي واجتماعي مهم للدولة.
وفي العالم الإسلامي توجد تيارات رجعية (أصولية) وأخرى تقدمية، يقول نيكسون الذي يطالب الإدارات الأميركية بالتعامل مع التقدميين المسلمين لأنهم -حسب قوله- يتميزون بالمرونة وبالاستعداد دائماً للاستعانة بالغرب، لاسيما في مجال الأخذ بالتكنولوجيا المتقدمة. فالتعاون مع التقدميين مصلحة لأميركا ولهم بالدرجة ذاتها. ومفتاح السياسة الأميركية يكمن في التعاون الاستراتيجي مع المسلمين التقدميين. أما الرجعيون (الأصوليون)، وفقاً لنيكسون، فإن السياسة الأميركية تختلف معهم في رؤيتهم وقيمهم، وإن كان ثمة تعامل أو تعاون معهم، فينبغي أن يقتصر على الناحية التكتيكية والاحتياجات الوقتية فقط.
ويتحدث نيكسون بصراحة ووضوح، قائلاً إن الحضارة الإسلامية حضارة عريقة، وإن القليل من الأميركيين يدركون مدى عراقة الإسلام الذي ينكر الإرهاب ويرفضه، كما يذكّر بأنه عندما كانت أوروبا غارقة في غياهب العصور الوسطى، كانت الحضارة الإسلامية في أوج ازدهارها. وينقل عن «ويل دورانت»، مؤلف كتاب «عصر الإيمان»، قوله إن المسلمين ساهموا مساهمة فعالة في كل المجالات، وعندما تقدم «روجر بيكون» بنظريته في أوروبا بعد 500 عام من بن جبير، قال إنه مدين بعلمه إلى مسلمي الأندلس الذين أخذوا علمهم من المسلمين في الشرق، بل إن النوابغ والعلماء في عصر النهضة الأوروبية الأولى يعود نبوغهم إلى العمالقة من العالم الإسلامي.
وأخيراً يتطرق نيكسون في كتابه إلى موضوع الصراع العربي الإسرائيلي، قائلا إن «التزامنا في الولايات المتحدة نحو إسرائيل عميق جداً، فنحن لسنا مجرد حلفاء، ولكننا مرتبطون ببعضنا بعضاً بأكثر مما تعنيه أوراق المعاهدات والالتزامات.. نحن مرتبطون معهم ارتباطاً أخلاقياً، وإسرائيل بالنسبة لنا مكسب استراتيجي، وهي لا تستطيع أن تعيد للعرب الأراضي التي احتلتها في الضفة الغربية والجولان».