تم في الآونة الأخيرة الإفراج عن ملخص قصير لتقرير المحقق الخاص روبرت مولر، حول العلاقة بين إدارة دونالد ترامب وروسيا، يخلص إلى نتيجة مفادها أنه لم يكن ثمة تواطؤ بين الجانبين على خلفية انتخابات عام 2016 الرئاسية الأميركية. وإذا لم يكن ثمة مجال لإقامة دعوى جنائية ضد الرئيس ترامب بتهمة العمل على عرقلة سير العدالة في هذا الملف، فإن التقرير يشير إلى أن الرئيس لم تُبرأ ساحته تماماً، الأمر الذي يعني أن ثمة أشياء ربما تكون أكثر بكثير، وتنبغي معرفتها بشأن النتائج الكاملة للتقرير المذكور.
وعلى نحو لا مفر منه، فقد ادعى دونالد ترامب وأنصاره نصراً كاملاً، مؤكدين أنهم كانوا على صواب حين وصفوا العملية برمتها بـ«مطاردة الساحرات». وعلى نحو لا مفر منه أيضاً، يطالب الديمقراطيون بالإفراج الكامل عن التقرير، وبالحق في استدعاء مولر، ومعه وزير العدل الجديد ويليام بار، من أجل الإدلاء بشهادتيهما تحت القسم أمام الكونجرس. بعبارة أخرى، إن تداعيات التقرير بدأت للتو فقط، وخلال الأسابيع المقبلة ستكون لدينا صورة أوضح لما حدث ويحدث بالفعل.
وفي غضون ذلك، يستطيع ترامب أن يتوقع تحسناً في مكانته السياسية وشعبيته الانتخابية، والأرجح أنه سيغتنم المناسبة لبدء حملته من أجل الانتقام ممن أطلقوا ضده اتهامات كثيرة، بما في ذلك إمكانية أن يكون عميلاً لروسيا. وهذا سيشمل دعوات إلى أكثر من ادّعى أنه تواطأ مع الروس، إما للاعتذار أو -في بعض الحالات- الاستقالة من مواقعهم المهمة في مجلس النواب الجديد الذي يسيطر عليه الديمقراطيون. وبالمقابل، سيشدد مناوئو ترامب على أنه إلى حين الإفراج عن كامل التقرير، فإنه ما زال من المبكر جداً إعفاء الرجل من أعمال مخلة بمنصبه، حتى وإن لم ترقَ إلى جرائم جنائية. وسيشدّد هؤلاء على أن الكونجرس هو مَن ينبغي أن يحدّد إلى أي مدى ما زال ترامب مذنباً في أعمال قد تمثّل، نظرياً، جرائم أم مخالفات تستوجب العزل من المنصب الأعلى في البلاد.
بيد أن الديمقراطيين الكبار غير متفقين بشأن الحد الذي ينبغي عنده أن يستخدموا سلطتهم الجديدة لإجراء مزيد من التحقيقات مع إدارة ترامب. ذلك أن البعض منهم يرغبون في التركيز على مواضيع داخلية مهمة، مثل نظام الرعاية الصحية، والتفاوت في الأجور، وحقوق الأسرة، وتمثيل الناخب.. باعتبارها أفضل الموضوعات التي تمثل الطريق نحو الفوز في الانتخابات الرئاسية لعام 2020. ويرى هذا الجناح من الديمقراطيين بأن التركيز المفرط والمبالغ فيه على شخص ترامب نفسه، سيصرف الانتباه عن رسالتهم الحقيقية، ويمد الرئيس الحالي بالسلاح المثالي للمقاومة وسط دعم وتشجيعات قاعدة أنصاره.
غير أن ترامب وشركاته التجارية ما زالوا يواجهون تحقيقاً قضائياً من قبل محكمة الدائرة الجنوبية لنيويورك، والتي تُعد جزءا من النظام القضائي الفيدرالي الأميركي. ونظراً لأن المهمة القضائية لهذه المحكمة تغطي كل التعاملات المالية في مدينة نيويورك، فإن أنشطة ترامب بعد وقبل أن يصبح رئيساً للولايات المتحدة يمكن أن تخضع للتحقيق من جانب القضاة. ونظراً لأن مهمة مولر لم تشمل الغوص عميقاً في مالية ترامب، فإن «الدائرة الجنوبية» تستطيع فحصها والتحقيق فيها. غير أنه ما زال من غير المعروف ما إن كانت هذه التحقيقات الجارية ستفضي إلى مزيد من البحث في تعاملات ترامب التجارية والمالية مع الروس قبل أن يصبح رئيساً، وما إن كان هذا سيلقي بعض الضوء على علاقته مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وهذا بكل تأكيد موضوع سيواصل الديمقراطيون التذكير به والمطالبة بالتحقيق حوله.
والسؤال الأهم في هذه المرحلة هو ما إن كان ترامب سينكب الآن على شن هجمات جديدة ضد أعدائه السياسيين، أو ما إن كان سيقرر طي الصفحة ومحاولة العمل مع الكونجرس من أجل إخراج تشريع مطلوب بإلحا ويحظى بدعم الحزبين قبل الانتخابات. غير أن المؤشرات الأولية تشير إلى أن هذا المسار الثاني مستبعد، وذلك بالنظر إلى حالة العداء المستحكم بين الجانبين في الكونجرس، والنزوع الطبيعي لدى ترامب لمهاجمة خصومه، وهو درس تعلّمه في وقت سابق من مشواره المهني في مجال المال والأعمال واستمر في اتباعه وهو رئيس في البيت الأبيض.
والواقع أن معارضة عدد من الجمهوريين لسلوك ترامب الماضي ستُكتم في الوقت الراهن، وسيحظى بدعم حزبه بغض النظر عن الأفعال التي سيختار القيام بها.
لذلك يمكن القول بأن التوقعات هي مزيد من العداء وحالة الجمود في واشنطن، وذلك في وقت تزداد فيه الحاجة إلى الزعامة الأميركية في مناطق مهمة من العالم، وفي وقت بات فيه أقربُ حلفائها، أي المملكة المتحدة، عاجزاً عن حل مشكلة البريكست لدرجة أن البلاد كادت تصاب بالشلل في ما يتعلق بالسياسات الداخلية والخارجية.