إذن، تبين أنه لم يكن ثمة أي تواطؤ. والواقع أن هذه ليست مفاجأة كبرى، مثلما كتبتُ في يوليو 2017 من أن «البحث في تواطؤ أخذ ينهار»، وفي يونيو 2017 من أن «الرئيس ما زال يتمتع بامتياز البراءة». لكن هل يفيد تقرير مولر الرئيسَ دونالد ترامب في شيء؟ أجل، ولكن فقط بالطريقة نفسها التي «يساعَد» بها أي راجل في ممر للمشاة عندما لا يتعرض للدهس من حافلة ويستطيع مواصلة رحلته. والأكيد أن غياب كارثة شيءٌ جيدٌ دائماً.
إن تقرير مولر لا يمكن أن يكون أكثر وضوحاً في ما يتعلق بالتواطؤ. فوفق الرسالة التي وجهها وزير العدل ويليام بار إلى الكونجرس، فإن التقرير يقول حرفياً إن «التحقيق لم يجد أدلة على أن أعضاء من حملة ترامب تآمروا أو نسقوا مع الحكومة الروسية في عمليات التدخل التي قامت بها في الانتخابات».
وبالطبع، سيرغب خصوم ترامب ومنتقدوه في الإعلام في تجاهل خلاصات التحقيق في الغالب والنظر إلى ما سيحدث؛ غير أنه لا يمكنهم تجاهل أن تحقيق مولر فشل في أن يخلص إلى أن ترامب أو أي أحد من حملته تواطأ مع الحكومة الروسية. فترامب قد تكون لديه عيوب كثيرة، لكنه ليس خائناً ولا متواطئاً. أما رد فعل الديمقراطيين الفوري، فقد كان في الغالب التراجع والمماطلة والدعوة إلى نشر التقرير كاملا، أياً يكن معنى ذلك.
والأكيد أن خلاصات تقرير مولر لا تعني أن الرئيس قد بات بمأمن، وربما لن يكون بمأمن أبداً؛ فمن مؤسسته الخيرية إلى معاملاته مع محاميه السابق مايكل كوهين، لا أحد يعرف بماذا قد يكون مذنباً. ثم إن الرئيس ما زالت لديه الكثير من التحديات القانونية المتعلقة بمكتب المدعي العام في نيويورك، وبتحقيقات حزبية مزعجة في الكونجرس، وبتحريات فيدرالية أخرى قد تجرى. لكن تلك ليست سوى أشياء بسيطة إذا ما قورنت مع القنبلة التي كان سيفجرها تقريرُ مولر. والحقيقة أن أياً من التحديات المتبقية التي يتعين على الرئيس التعامل معها مرعبة مثل مولر. لكن الخطر، بالنسبة للرئيس ترامب، زال الآن.
بيد أنه بالنسبة للجماعة المؤيدة للعزل، يبدو أن تقرير مولر قد ترك ثغرة كافية. ذلك أن معظم الطامحين للترشح لانتخابات عام 2020 في المعسكر الديمقراطي سيقولون إن لغة مولر بخصوص عرقلة العدالة تصم الآذان بصمتها، وسيجدون ملاذاً في مقتطف من تقرير مولر أشار إليه وزير العدل ويليام بار، ويقول إن التحقيق «لا يبرئ ساحة (الرئيس)». غير أن مسألة توجيه تهمة عرقلة العدالة في مسألة لا توجد بشأنها محاكمة هو أمرٌ محير جداً ويستحسن تركه لأساتذة القانون. ثم إنها لن تحصل على دعم خارج أوساط أكثر الديمقراطيين تعصباً وأكثر منتقدي ترامب تحيزاً في الإعلام.
وبالتالي، ففي ما يتعلق بانتخابات 2020 والدينامية السياسية الحزبية العامة، بوسع المرء أن يراهن على أن معظم تقرير مولر سيُنشر، إن لم يكن كله. وهذا سيسمح للديمقراطيين بالانكباب عليه، والانشغال بكل جزء منه، وتمحيصه تمحيصاً. وربما يكونون بصدد التوجه إلى تحقيق خاص بهم شبيه بتحقيق بنغازي، على غرار ذلك الذي انشغل به الجمهوريون لسنوات خلال إدارة أوباما.
والآن وقد بات سؤال التواطؤ خلفه، يجدر بترامب وحلفائه أن يتحركوا بحذر. لكن، هل ثمة أي احتمال لأن يكون ترامب قد تعلم شيئاً من هذه التجربة؟ أشك في ذلك. لكن الأمر لم يكن يتعلق أبداً بترامب وبتهمة التواطؤ فحسب، وإنما بحاجة الديمقراطيين القوية إلى نزع الشرعية عن الرئيس وخلعه من المنصب. وتقرير مولر سيبطئ هذا الجهد، لكنه لن يوقفه.

*مستشار سياسي أميركي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
 

 

  •   
  •   
  •   
  •