شملت الجولة الأخيرة لوزير الخارجية الأميركي في المنطقة الكويت فإسرائيل ثم لبنان. المحطة الأولى كانت استكمالاً لجولته الموسعة السابقة في يناير الماضي ولمراجعة تطورات أزمة قطر، والثانية متوقعة في إطار التنسيق الأميركي الإسرائيلي الدائم، خصوصاً في سوريا، أما الثالثة في لبنان فكانت الأكثر ترقّباً وحساسية ليس فقط بسبب العقوبات الأميركية المشدّدة على إيران و«حزب الله» اللبناني، بل أيضاً لأن الوضع الداخلي واقع في جانب كبير منه في أفخاخ الأجندة الإيرانية والصراع السوري. وقبل أن يحلّ مايك بومبيو في بيروت كان المحللون السياسيون حول العالم يجمعون على أن تمهيد الرئيس دونالد ترامب للاعتراف بالسيادة الإسرائيلية قدم لتوّه «هدية» لنتنياهو لدفع حظوظه في الانتخابات، لكنه قدّم في الوقت نفسه «هدية» لإيران التي لم تتخلَّ عن استخدام سوريا ولبنان لإشعال مواجهة مع إسرائيل تكريساً لدورها ونفوذها في هذين البلدين.
أمضى بومبيو في لبنان يومين بديا طويلين بسبب الإرباك السياسي الذي كان واضحاً في مواقف رئيسي الجمهورية والبرلمان ووزير الخارجية، سواء في دفاعهما عن «حزب الله» أو في التعامل مع «الخطوط الحمر» التي حرص الوزير الأميركي على إظهارها. وكانت واشنطن قد مهّدت بإرسال موفدين عديدين لشرح سياستها المركّزة ضد إيران و«حزب الله» وانعكاساتها المحتملة على لبنان ما لم يجد الصيغ المناسبة للحدّ من تأثير «الحزب» في قرارات الدولة. ففي يناير الماضي نقل ديفيد هيل، وكيل وزارة الخارجية الأميركية للشؤون السياسية، رسالة تنطوي على تفهّم للوضع اللبناني وعلى تحذير بأن واشنطن لن تحيّد لبنان عن معركتها المفتوحة ضد إيران وبالتالي فهي تتوقّع إجراءات حكومية واضحة، تحديداً في المجالات الأمنية والاقتصادية والمالية. وفي مطلع مارس الحالي جاء ديفيد ساترفيلد، مساعد الوزير لشؤون الشرق الأدنى، ليبحث في تطورات ملف ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، وهو إجراء بات مرتبطاً بشكل أساسي باستعدادات لبنان لاستخراج الغاز ضمن حدوده الإقليمية.
لا يجهل بومبيو، والأرجح أنه لا يعترض على ما حرص الرئيسان ميشال عون ونبيه بري والوزير جبران باسيل على أن يسمعه منهم، تجاه  «حزب الله».
وفي المقابل تجنّب الجانب اللبناني الردّ على قول بومبيو بأن «حزب الله» يزعزع الاستقرار في المنطقة، ويشكّل «عقبة أمام آمال اللبنانيين»، وقوله إن «لبنان يواجه خيارين: المضي قدماً بشجاعة كدولة مستقلة وفخورة، أو السماح للطموحات الظلامية لإيران وحزب الله بالتحكم في مستقبله». فليس بالإمكان الدفاع عن إساءة «الحزب» استخدام سلاحه ووجوده في الحكومة للضغط على الوضع الداخلي والسيطرة على المنافذ البرّية والبحرية والجوية لتهريب الأسلحة والتموّل عبر إقامة تجارة موازية، حتى قبل أن تعرّضه لعقوبات مالية أميركية.
ما بات واضحاً بعد زيارة بومبيو، بتطميناتها وتحذيراتها، أن لبنان لن يكون بمنأى عن تأثير العقوبات حين تشتد وطأتها، إذ أن القانون الذي أقرّه الكونغرس العام الماضي يعطي الرئيس الأميركي سلطة فرض عقوبات على من يدعمون «حزب الله»، سواء أكانوا أشخاصاً أم أحزاباً وكيانات. لكن الأهم يتعلّق باستحقاقين استراتيجيين للبنان: فمن جهة تراهن الحكومة على نتائج مؤتمر «سيدر» (باريس، أبريل 2018) الذي تعهّد بتقديم 11 مليار دولار للمساعدة في الإصلاح الإداري والاقتصادي، وأدّى تأخير تشكيل الحكومة إلى تأخير الخطة التنفيذية للمشروع. كما أن هيمنة «حزب الله» على الحكومة أثارت مخاوف من تعثّرها بسبب اعتراضات أميركية قد تفرض صعوبات في تطبيقه. ومن جهة أخرى تراهن الحكومة على البدء هذه السنة بالتنقيب عن الغاز على امتداد الساحل المتوسطي، غير أن مشكلة ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل تعرقل انطلاق الأعمال، وقد توسّطت واشنطن لحلّ هذا المشكلة إلا أنها اقترحت تسويات تغلّب مصلحة إسرائيل. وفي غضون ذلك أحرزت الدول الأخرى (مصر وقبرص واليونان وإسرائيل) تقدماً مهمّاً وتوصّلت برعاية أميركية إلى خريطة استثمارية للغاز، أما لبنان فيجازف بالبقاء خارج تلك الخريطة.

*محلل سياسي- لندن