أي توصيف يليق بالولايات المتحدة الأميركية في علاقتها بالعالم العربي، هل هي القاضي أم الجلاد؟ مبعث السؤال ما جرت به المقادير في الأيام القليلة الماضية من قيام الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الأراضي السورية المحتلة في الجولان منذ العام 1967.
والشاهد أنه ومنذ توقيع اتفاقية كامب ديفيد عام 1979 بين مصر وإسرائيل برعاية الرئيس الأميركي «الديمقراطي» جيمي كارتر، فإن واشنطن أخفقت في أن تكون وسيطاً نزيهاً، بين العرب والإسرائيليين، ولم تتحقق على أياديها أي صفقات سلام، وقد كان الرئيس المصري أنور السادات - قولاً وفعلاً- سابق عصره، وذلك حين رأى من على البعد أن كارتر بمواصفاته الشخصية يمثل نافذة أمل قل أن يجود بها الزمان مرة أخرى في تاريخ رؤساء أميركا، وهذا ما كان بالفعل.
إلى أين يمضي ترامب؟ وهل الدرب السائر عليه يوفر للشرق الأوسط وللمجتمع الدولي السلام والأمن المنشودين، أم أن الرجل يسكب المزيد من الزيت على النار لتزداد الحرائق اشتعالاً في العقول والقلوب دفعة واحدة؟
يمكن القطع أننا أمام رجل لم يكن له ماضٍ سياسي يخشى عليه، وجل ما يريده هو ولاية رئاسية ثانية حتى يذكره التاريخ، وقد اتخذ سبيلاً إلى ذلك هو الوفاء بكافة الوعود التي قطعها على نفسه خلال حملته الانتخابية الرئاسية الأولى.
أهم ما يتصل بالشرق الأوسط والخليج العربي بالنسبة ترامب، تمحور حول الاتفاقية النووية سيئة السمعة التي وقعها سلفه أوباما مع الإيرانيين وحتمية إلغائها وخروج أميركا منها، وهذا ما قد فعله.
خلال حملته الانتخابية الرئاسية أظهر ترامب أنه الفارس الذي سيترجل عن حصانه ليجمع المختلفين والمتصارعين في الشرق الأوسط، وحتى يكتب اسمه في سجل القياصرة الأميركيين، كأفضل رئيس أميركي استطاع أن يحقق اختراقاً في الأزمة بين الجانبين ويصل إلى حل سلمي بعد عقود من النزاع والحروب.
لكن على الجانب الآخر، كان يغازل جماعته ومريديه لا سيما من أنصار اليمين الأميركي، سواء أقصى اليمين أو ما نسميه اليمين المتطرف، أو يمين الوسط، بما لا يملكه، أو بقرارات لم يقدر لرئيس أميركي سابق أن يأتي بها.
تحدث ترامب عن القدس بداية، ووعد بأنه سيعترف بها كعاصمة لدولة إسرائيل، وبنقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، الأمر الذي نفذه بالفعل في مخالفة واضحة وفاضحة لمقررات الأمم المتحدة والشرعية الدولية، ناهيك عن القانون الدولي، وجميعها تعتبر أن القدس المحتلة أرض محتلة، وعليه فإنه لا يمكن تغيير طبيعتها الجغرافية، أو الاعتراف بسيادة أخرى عليها، والى حين نهاية النزاع بين الطرفين.
أوفى ترامب بما وعد به، وبات السؤال: هل يمكن لترامب أن يكون قاضياً ووسيطاً نزيهاً بين العرب والإسرائيليين، أم أن الرجل ليس أكثر من جلاد تطوعه إسرائيل لخدمتها في كل الأحوال؟
لم تتوقف رؤى ترامب الكارثية عند القدس، بل امتدت إلى سوريا ليفاجأ العالم بتصريحات سرعان ما تحولت إلى فعل عبر فيه ترامب عن اعتراف بلاده بالسيادة الإسرائيلية على الجولان السورية المحتلة، ضارباً بعرض الحائط كافة ما استقرت عليه المواثيق الدولية من أنها أرض سورية محتلة، ومن دون إعارة أي اهتمام للإرادة العربية أو للمشروعية الأممية، وبغير التفات إلى أصوات العالم التي خرجت منددة بما جرى في البيت الأبيض.
تذرع ترامب بأن بقاء إسرائيل محتلة للجولان إلى الأبد أمر فيه نوع من أنواع توفير الحماية الأمنية لإسرائيل، وذلك من خلال قطع الطريق على إيران وحزب الله من الوصول إلى الجولان وتهديد المدن الإسرائيلية.
والثابت أن ذرائع ترامب منافية ومجافية للحقيقة، إذ لا يمكن للأمن أن يتوافر لإسرائيل من خلال اغتصاب أراضي الغير، ولعل الذين اطلعوا على مذكرات الجنرال الإسرائيلي «إسرائيل ليور» مدير مكتب ليفي أشكول رئيس وزراء إسرائيل في العام 1967 قد قرأوا كيف أن أشكول كان يصرخ في خلال حرب الأيام الستة صائحاً:«ماذا يريدون؟ هل يريدون البقاء بالسيف وحده؟ هل يريدون لمستقبل إسرائيل أن يكون بالسيف إلى الأبد؟ وقد كان قصده جنرالات بلاده الذين استولوا على أراضي العرب بغير حق، وهذا ما يفعله ترامب اليوم.
المثير أن الجانب الأميركي لا ينفك يتحدث عن ما أطلق عليه «صفقة القرن»، أي صفقة سلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وتكاد تبدو في الأفق ملامح ومعالم مزعجة للقاصي والداني بشأنها، وبات السؤال البديهي عن أي سلام يتحدث الأميركيون، وهل هم في الأصل صناع سلام، أو لهم دالة من الأصل على السلام؟
ما فعله ترامب سيعطي زخماً قوياً وقبلة حياة لإيران ولـ«حزب الله»، وسيروج لرؤاهم المغلوطة التي تتذرع بإسرائيل من أجل بسط هيمنتهم في المنطقة، كما سيحرج حلفاء واشنطن في المنطقة تجاه شعوبهم. ولعل الأخطر هو أن قرار ترامب الأخير يعطي قبلة الحياة للجماعات الأصولية والإرهابية حول العالم.
الخلاصة...الحق أحق بأن يتبع.
*كاتب مصري