تنظر دولة الإمارات العربية المتحدة إلى قطاع الفضاء بوصفه أحد العلوم المستقبلية التي تستدعي الاهتمام والتركيز، وباعتباره من أهم القطاعات التي تؤكد ريادة الدولة وتميزها في العلوم والمعارف المبتكرة، ما حفّزها على إقرار حزمة من البرامج والخطط والاستراتيجيات التي ستصل بالدولة مستقبلاً إلى تبوء مكانة متقدمة لها في هذا المجال، حيث تم إطلاق البرنامج الوطني للفضاء، بهدف إعداد رواد فضاء إماراتيين، والوصول بمسبار الأمل الإماراتي إلى كوكب المريخ في عام 2021 تزامناً مع الذكرى الخمسين لقيام دولة الإمارات، واعتماد خطة بعيدة المدى تصل إلى 100 عام، تسعى إلى بناء أول مستوطنة بشرية على المريخ، بحلول عام 2117، وإنشاء أول مدينة علمية لمحاكاة الحياة على هذا الكوكب، ومختبرات متخصصة، إضافة إلى مختبر تجارب انعدام الجاذبية، وإنشاء «المجلس العالمي لاستيطان الفضاء»، والعديد من البرامج ذات العلاقة.
وحرصاً من مركز «محمد بن راشد لأبحاث المستقبل» على دعم الأبحاث العلمية وتوظيف التكنولوجيا المتطورة لتحقيق تطلعات ورؤى الدولة في قطاع الفضاء، أعلن المركز مؤخراً اكتمال 35 بحثاً علمياً، ضمن «تحدي محمد بن راشد لاستيطان الفضاء» الأول من نوعه على مستوى العالم، وبالتعاون مع منصة «جوانا» المبتكرة لتمويل البحث العلمي، حيث أطلق ذلك التحدي خلال منتدى استيطان الفضاء ضمن أعمال القمة العالمية للحكومات عام 2018، تجسيداً لأهمية المشاركة وتعميم المعرفة العلمية في تعزيز جهود صناعة المستقبل، والنظر إلى تطوير بيئة البحث العلمي كأولوية قصوى، تسهم في تعزيز التجارب وتصميم الحلول الاستباقية للتحديات، حيث تمّ اختيار هذه المشاريع انطلاقاً من عملية تقييم أجراها 275 خبيراً من أبرز الجامعات والمراكز البحثية العالمية.
لقد عمل مركز «محمد بن راشد لأبحاث المستقبل» على دعم البحث العلمي في العديد من القطاعات المستقبلية، وخاصة ما يرتبط باستيطان الفضاء، وفق أفكار ابتكارية، تحدث التغيير الملموس وتدعم مسيرة صناعة المستقبل، حيث تخصصت المشاريع والدراسات التي تم اختيارها من قبل المركز، في محاور رئيسة ثلاثة، هي: هندسة التكنولوجيا الحيوية للنباتات الإلكترونية الخارقة، واستخلاص المياه من الأبخرة في سطح المريخ وتحولها إلى مياه يمكن استخدامها في الفضاء، وتطوير تكنولوجيا روبوتية جديدة تستخدم الطاقة الشمسية الحرارية لإنتاج مواد البناء المتشابكة، وبما يحقق الدعم لتطوير قطاع الفضاء، ويحد من الانبعاثات الكربونية ويعالج ظاهرة التغير المناخي، ويوفر حلولاً مستدامة للتحديات البيئية والاقتصادية.
إن حرص دولة الإمارات على تأسيس العديد من المنابر والمنصات الخاصة بعلوم المستقبل، وخاصة ما يتعلق بعلوم الفضاء، جاء انطلاقاً من مجموعة من المعايير التي تقدم للمتخصصين في علوم المستقبل سلسلة متكاملة من الإجراءات الخاصة بالاتجاهات المستقبلية في التكنولوجيا والعلوم، فعلى سبيل المثال، يشير تأسيس مركز محمد بن راشد للفضاء في عام 2015، ليكون جزءاً رئيساً من المبادرة الاستراتيجية الهادفة إلى دعم الابتكارات العلمية والتقدم التقني ودفع عجلة التنمية المستدامة في دولة الإمارات وفي المنطقة والعالم، فالمركز تولى مهمة تنفيذ مشروع «مسبار الأمل» لاستكشاف كوكب المريخ، وتصميم وبناء القمر الاصطناعي «خليفة سات»، وإطلاق القمرين الاصطناعيين «دبي سات 1»، و«دبي سات 2» في عامي 2009 و2013، وإطلاق «نايف 1»، كأول قمر اصطناعي نانومتري إماراتي إلى الفضاء الخارجي أوائل عام 2017.
كما أن اهتمام دولة الإمارات بقطاع الفضاء، وتطوير الكوادر البشرية المواطنة وتشجيعها على خوض شغف التجربة والتحدي في هذا المجال، جاء مستنداً إلى برنامج فضائي متكامل، أوصلها إلى أن تكون الأولى في المنطقة في إطلاق مسبار إلى المريخ، إضافة إلى أن الشعب الإماراتي أصبح لديه قدرات في صناعة الأقمار الاصطناعية بنسبة 100%، وإرسال رواد إماراتيين إلى الفضاء، ومجموعة من الإنجازات التي تفتح الدرب واسعاً أمام التطوير والنهضة، وتحقق المسعى المنشود بأن يكون للدولة دور في الاستكشافات العلمية، وتسخير الفضاء لخدمة الإنسان والإنسانية، ووفق رؤية خلاقة واستثنائية، وتواصل أمجاد الأجداد في معارف الفلك والملاحة والفضاء.

عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية