لولا الدعم السياسي والعسكري الروسي، فإن نظام بشار الأسد ما كان ليصمد ويستمر في البقاء في وجه ثماني سنوات من الحرب الأهلية الوحشية على الأرجح. واليوم، لا يسيطر النظام على كامل البلاد، ولكنه لم يعد يواجه خطر هزيمة عسكرية على أيدي الفصائل العديدة المعارضة له والتي ظهرت خلال الحرب. ونجاح التدخل الروسي هذا عزز مكانة الرئيس فلاديمير بوتين ونفوذه عبر المنطقة، حيث أصبح يُنظر إليه الآن على أنه السبب وراء انتكاسة الولايات المتحدة. وفضلاً عن ذلك، فإن «الانتصار» في سوريا يأتي في وقت يتزايد فيه تمدد روسيا العالمي إلى أفريقيا وأميركا اللاتينية، بالتوازي مع مواصلتها تعزيز نفوذها في منطقة البلقان وأوروبا الشرقية والوسطى.

بيد أن الأكثر إثارة للقلق بالنسبة لواشنطن هو دور روسيا المتزايد في فنزويلا ودعمها الصريح لنظام نيكولا مادورو الاستبدادي والمفلس على نحو متزايد. ولأول مرة اتخذت إدارة ترامب موقفاً قوياً بخصوص مواضيع حقوق الإنسان والديمقراطية في بلد مجاور. فقد تعهدت الإدارة بدعم الرئيس المؤقت خوان غوايدو، وهي خطوة دعمها 45 بلداً آخر من بينها بلدان كثيرة في أميركا اللاتينية وأوروبا. وبالمقابل، تواصل روسيا والصين وكوبا ونيكاراغوا، ونحو عشرة بلدان أخرى، دعم مادورو نظراً للمصالح الاقتصادية المختلفة التي لدى هذه الدول في بقائه على رأس السلطة في كاراكاس.
غير أن الأزمة الفنزويلية أخطر من المواجهة الأميركية مع سوريا، ذلك أن أي تدخل لقوى «خارجية» مثل روسيا في «الفناء الخلفي» للولايات المتحدة، من شأنه إعادة تاريخ طويل من المواجهة في ذلك الفناء. بدأ ذلك مع «عقيدة مونرو» التي أعلنها الرئيس الأميركي جيمس مونرو في عام 1823، والتي كان هدفها الأصلي ضمان منع القوى الأوروبية من القيام بأي محاولات جديدة للتدخل في سياسة بلدان أميركا اللاتينية المستقلة حديثاً، والتي كانت سابقاً مستعمرات لإسبانيا والبرتغال بشكل رئيسي. ذلك أن الولايات المتحدة لم تكن ترغب في أن تتدخل سياسة «العالم القديم» في تطور «العالم الجديد». ومع مرور السنوات، ظلت المبادئ الأساسية لـ«عقيدة مونرو» ميزة أساسية تميز الدبلوماسية الأميركية. وقد تبدت هذه العقيدة على نحو دراماتيكي خلال أزمة الصواريخ الكوبية في عام 1962 عندما كادت الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي تدخلان حرباً نووية على خلفية قرار موسكو نشر أسلحة نووية متوسطة المدى في كوبا من أجل حماية نظام كاسترو من المحاولات العسكرية الأميركية لإسقاطه.
فنزويلا الآن على شفا انهيار اقتصادي، لكن مادورو ما زال في السلطة بفضل الدعم المتواصل الذي يتلقاه من جيشه ودعم روسيا وحلفاء مهمين آخرين. غير أنه خلافاً للحالة السورية، لدى الإدارة الأميركية الآن مصالح أكثر بكثير بعد أن حاولت بشكل صريح تنحية مادورو عبر الضغوط السياسية والاقتصادية. واليوم، أصبح ذلك الاختبار الأكثر جدية لمَا إن كان ترامب سيقف أخيراً في وجه السلوك الروسي المناهض بكل وضوح للمصالح الأميركية، وللكيفية التي سيحدث بها ذلك. وإذا كان التدخل العسكري الأميركي مستبعداً، بالنظر إلى مشاعر العداء التي سيثيرها ذلك عبر بلدان أميركا اللاتينية، فإن مزيداً من العقوبات ومزيداً من الدبلوماسية المكثفة، والوعد بمساعدات إنسانية للبلد المحطَّم.. قد يكون كافياً لإقناع الجيش الفنزويلي أخيراً بأن أيام قادته باتت معدودة. ولا شك أنه إذا غادر مادورو السلطة بحد أدنى من إراقة الدماء، فإن ذلك سيُعتبر نجاحاً مستحقاً لترامب والدبلوماسية الأميركية. أما إذا بقي في السلطة، فإنه سيكون دليلا آخر على تراجع الولايات المتحدة وتنامي قوة روسيا.