أظهرت الهند بالفعل مهارتها في كل من استكشاف الفضاء وإطلاق أقمار صناعية بتكلفة أقل بكثير من الدول الأوروبية الولايات المتحدة. لكن الدولة الآسيوية أظهرت أيضاً جانباً آخر من قوتها في مجال الفضاء، لتبرهن أنها ليس أقل من بعض الدول الغربية مثل الولايات المتحدة أو روسيا أو الصين، فيما يتعلق ببرنامج الفضاء.
وأسقطت الهند الأسبوع الماضي قمراً صناعياً في الفضاء بصاروخ فضائي لتصبح الدولة الرابعة فقط في العالم التي تمتلك هذه القدرات، فيما يمثل قفزة كبيرة للأمام على طريق برنامجها الفضائي الطموح. وفي دلالة على حجم الإنجاز الذي تم تحقيقه، تحدث رئيس الوزراء الهندي «ناريندرا مودي» بنفسه للأمة عن هذا الإنجاز في خطاب متلفز، وهو ما تسبب في حالة من الارتباك إذ تخوض جميع الأحزاب السياسية الكبرى وقادتها حملات انتخابية شرسة، إذ من المزمع عقد الانتخابات العامة في الحادي عشر من أبريل الجاري.
وكشف رئيس الوزراء ناريندرا مودي في خطابه أن الصاروخ بلغ مداه 300 كيلومتر تقريباً من الأرض، وضرب القمر الصناعي في غضون ثلاث دقائق من إطلاقه، وهو ما يضع الهند في نادٍ يضم أميركا وروسيا والصين حصراً. وفيما وصفه بلحظة فخر، أشار «مودي» إلى أن الهند أصبحت بذلك رابع دولة لديها قوة فضائية ذات قدرات رادعة.
وفي مواجهة الانتقادات الدولية لتحرك الهند، أوضح رئيس الوزراء أيضاً أن الاختبار، الذي أطلق عليه اسم «ميشن شاكتي» أو «مهمة القوة»، لم يكن موجهاً إلى أية دولة. وأكد للمجتمع الدولي أن الهند لطالما عارضت «تسليح الفضاء» وسباق التسلح في الفضاء الخارجي، وهذا الاختبار لا يغير هذا الموقف بأية طريقة.
واستخدمت منظمة التطوير والأبحاث الدفاعية الهندية صاروخاً مضاداً للأقمار الصناعية، وأطلقته من جزيرة مقابل ولاية «أوديشا» الشرقية. وتم إسقاط القمر الذي كان أحد الأقمار الصناعية الهندية التي تعمل في المدار المنخفض «للتأكد من أن الهند لديها القدرة على حماية أصولها الفضائية». وأكد بيان رسمي أعقب الاختبار أنه كان في إطار «مسؤولية الحكومة الهندية في الدفاع عن مصالحها في الفضاء الخارجي». وهذه إشارة واضحة على أن الاختبار كان رداً على الصين التي كانت تقوم بتجارب مضادة للأقمار الصناعية.
ومن الواضح أن الهند لم تكن ترغب في أن تتخلف عن الركب الفضائي وألا تمتلك هذه القدرات. وقد كان هناك قدر هائل من الانتقادات عندما استخدمت الصين صاروخاً للمرة الأولى من أجل تدمير قمرها الصناعي في عام 2007. ومنذ ذلك الحين، عكفت الهند على تطوير قدراتها، لكن على رغم من أن نيودلهي تمكنت منذ بعض الوقت من الحصول على القدرات اللازمة لإجراء هذا الاختبار، إلا أنه كان قراراً سياسياً من قبل الحكومة الراهنة بالمضي قدماً في الاختبار حالياً.
وهناك نزاع حدودي بين الهند والصين بشأن عدد من المناطق على طول الحدود، وهو ما ظلّ مؤرقاً للعلاقات بينهما. وخاضت الدولتان حرباً في عام 1962، وخلال السنوات الأخيرة بزغتا كمتنافستين في آسيا. وشعرت الهند أيضاً بقلق من التقارب المتنامي بين كل من إسلام آباد وبكين. ومن الواضح أن الاختبار الصاروخي كان محاولة لمواكبة الصين وحماية الأصول الهندية في حالة اندلاع أية أعمال عدائية وفقاً لأي سيناريو مستقبلي.
غير أن الاختبار الصاروخي أظهر قوة البرنامج الفضائي الهندي، وطبيعته المحلية. فالهند لم تطلب أية مساعدة تقنية لصاروخها، الذي تم تصنيعه بتكنولوجيا هندية وباستخدام قدرات محلية. وقد سلطت حكومة «مودي» الضوء على ذلك، مشيرة إلى أن القمر الصناعي الهندي الذي أُسقط كان في مدار منخفض، أخذاً في الاعتبار ضمان عدم وجود حطام فضائي، وأن معظم الحطام الناجم عن إسقاط الطائرة سيحترق ويتلاشى أثناء دخول الغلاف الجوي للأرض.
وعلى رغم من كل ذلك، يوضح ذلك الاختبار القفزات الكبيرة التي حققها البرنامج الفضائي الهندي خلال العقود القليلة الماضية على رغم من العقوبات المفروضة منذ الاختبارات النووية في تسعينيات القرن الماضي، ما جعل من الصعب على الهند الحصول على التكنولوجيا أو المواد المطلوبة، بيد أن البرنامج أصبح رائداً في قطاع الفضاء العالمي الذي تقدر قيمته ب300 مليار دولار، وأضحى مشهوراً بموثوقيته وانخفاض تكلفته وجذبه لكثير من العملاء الدوليين.
وقد قامت الدولة بأكثر من 102 من مهام مركبات الفضاء بإرسال كل شيء من الأقمار الصناعية للاتصالات إلى أقمار صناعية تجريبية وأخرى لمراقبة الأرض. وخلال السنوات الأخيرة، سعت أيضاً إلى استكشاف الفضاء بإطلاق أول مهمة لها إلى المريخ، وبتكلفة تعادل نحو عشر تكلفة أحدث مهمة أميركية إلى الكوكب الأحمر. وتعمل نيودلهي في الوقت الراهن على مهمة مأهولة بالبشر إلى الفضاء. وعلى رغم من ذلك، تمنح القدرة على إسقاط قمر صناعي في الفضاء الخارجي الهند ميزة إضافية في برنامجها الفضائي.
* رئيس مركز الدراسات الإسلامية- نيودلهي