من خلال فعاليات وأنشطة متنوعة، أحيت أمس منظمة الصحة العالمية، بالترافق مع العديد من الجهات والمنظمات والمؤسسات الخيرية في أنحاء العالم، يوم الصحة العالمي (World Health Day)، والذي يحل كل عام في السابع من أبريل، ويتوافق مع تاريخ عقد أول اجتماع لجمعية الصحة الدولية عام 1948. وخلال العقود السبعة الماضية، استغلت المنظمة الدولية هذا اليوم، لتسليط الضوء على العديد من قضايا الصحة العامة من المنظور الدولي، لزيادة الوعي العام بهذه القضايا، ولتشجيع السياسات الداعمة لإيجاد حلول لها، وتوفير الدعم المالي والفني اللازمين. وربما للمرة الأولى خلال سبعين عاماً المنصرمة، تختار المنظمة الدولية نفس القضية، لعامين متتاليين، حيث كان موضوع يوم الصحة العالمي لعامي 2018 و2019، هو الرعاية الصحية للجميع (Universal Health Coverage)، لجميع أفراد وفئات المجتمع دون استثناء، وفي جميع الأوقات والظروف.
ويأتي اهتمام المنظمة والمجتمع الدولي بقضية الرعاية أو التغطية الصحية للجميع، على خلفية تقرير صدر منتصف عام 2015 عن منظمة الصحة العالمية، ومجموعة البنك الدولي، وقد حمل عنوان «متابعة نظم الرعاية الصحية الشاملة»، وهدف في حينه إلى تقييم نظم الرعاية الصحية في دول العالم على اختلافها، وتقدير مدى فعاليتها، وحجم ونطاق شموليتها لجميع أفراد المجتمع في كل دولة على حدة. وتضمن ذلك التقرير بالغ الأهمية، العديدَ من الحقائق المهمة والمثيرة عن الوضع الصحي العالمي، مثل عدم توافر خدمات الرعاية الصحية الأساسية لأكثر من 400 مليون شخص حول العالم، مما ينتج عنه الدفع بأكثر من 6 في المئة من أفراد الجنس البشري سنوياً، خصوصاً من سكان الدول متوسطة الدخل والفقيرة، نحو أزمات مالية شديدة، وأحياناً سقوطهم في هاوية الفقر المدقع، بسبب تحملهم بشكل شخصي ومباشر لنفقات علاج أمراض وعلل مختلفة، في ظل فقدان دولهم ومجتمعاتهم لنظم رعاية صحية شاملة وفعالة.
واستخلص القائمون على التقرير تلك النتائج والحقائق، من خلال تقييم مدى توافر الدعائم الأساسية للرعاية الصحية الأولية، والتي تشمل التالي:
1- توفر خدمات تنظيم الأسرة، 2- توفر الرعاية الصحية للأم والجنين أثناء الحمل، 3- وجود شخص مؤهل ومدرب أثناء عملية الولادة، 4- توافر التطعيمات الطبية للمولود الجديد، وللأطفال خلال السنوات الأولى من العمر، 5- توافر مضادات الفيروسات، مثل تلك التي تستخدم لعلاج فيروس الأيدز، 6- توافر أنواع المضادات الحيوية التي تستخدم لعلاج ميكروب السل، 7- توافر مياه شرب نظيفة، ونظم صرف صحي حديثة.
ولذا، وفي منتصف يناير الماضي، أصدرت منظمة الصحة العالمية خطتها الاستراتيجية الخمسية، تحت عنوان «برنامج المهام العامة الثالث عشر»، ويتمركز محورها الأساسي حول استهداف ثلاثة مليارات (Triple Billion Target). المليار الأول هنا، هو الزيادة المؤملة في عدد من سيستفيدون من نظم رعاية صحية وطنية شاملة خلال سنوات الخطة الخمس، أما المليار الثاني فيشير إلى الزيادة المؤملة في عدد الأشخاص الذين ستسعى المنظمة لتوفير الحماية لهم ضد الكوارث والطوارئ الصحية، بينما يشير المليار الثالث إلى عدد من يؤمل أن تتمكن الجهود الوطنية والدولية من رفع وتحسين مستوى الصحة والعافية لديهم، خلال فترة الخطة.
وعلى المنوال نفسه، شهدت مدينة «آستانا»، عاصمة كازاخستان، نهاية أكتوبر الماضي، فعاليات المؤتمر الدولي للرعاية الصحية الأولية، والذي هدف إلى إعادة التأكيد على الدور المحوري والأهمية الفائقة للرعاية الأولية في بلوغ هدف تحقيق التغطية الصحية الشاملة للجميع، ضمن أهداف التنمية المستدامة. وتزامنت فعاليات المؤتمر مع الذكرى الأربعين لإعلان «ألما-آتا»، والذي صدر في عام 1978، واعتبر حينها علامة فارقة على صعيد الصحة العالمية، كونه أول اتفاق دولي على ضرورة تفعيل إجراءات وتدابير، وطنية ودولية، كفيلة بتوفير رعاية صحية أولية في دول العالم قاطبة، كشرط أساسي لرفع وتحسين مستوى صحة الأفراد والشعوب.
فتحت شعار الرعاية الصحية الأولية مفتاح تحقيق الصحة للجميع، نص إعلان ألما-آتا على أن «الصحة تعني العافية الجسدية والعقلية والاجتماعية، وليست مجرد الخلو من الأمراض، وهي حق أصلي للإنسان يجب أن ترعاه القطاعات الاجتماعية والاقتصادية بالاشتراك مع القطاع الصحي، وليس من المقبول سياسياً واجتماعياً واقتصادياً اختلال ميزان العدالة الصحية بين الناس، وبالأخص بين الدول المتطورة والنامية. وكما أن التنمية الاقتصادية والاجتماعية مهمة لتحقيق الصحة للجميع، فإن تعزيز الصحة ضروري أيضاً لصيانة التنمية الاقتصادية والاجتماعية. ويملك الناس حق المشاركة الفردية والجماعية في تخطيط وتنفيذ برامج الرعاية الصحية، وتقع على الحكومات مسؤولية رعاية صحة شعوبها عبر إجراءات صحية واجتماعية كافية لتحقيق هذا الهدف».

*كاتب متخصص في القضايا الصحية والعلمية