في الأجواء السياسية المضطربة الحالية، نجد أن قيادة التحالف العربي متوافقة ومتماسكة إلى أقصى حد، بالنظر إلى التفاهم الاستراتيجي الراسخ بين أعضائها حول ضرورة صد التمدد الإيراني إلى منطقة الخليج وشبه الجزيرة العربية عبر بوابة اليمن، وضمان حرية الملاحة في واحد من أهم الممرات المائية العالمية.
لكن من الملاحظ وجود ازدواجية في مواقف الأمم المتحدة حول القضايا الإنسانية، وهو ما ظهر جلياً في اتفاق ستوكهولم الذي ذكر مدينة تعز تحت عنوان «إعلان تفاهمات حول تعز» بدلاً من استخدام عبارة «اتفاق». ونعلم أن تعز هي المدينة المحاصرة التي لم تُلقَ لها الأمم المتحدة بالاً حتى الآن.
لذلك فقد عبّرت مصادر من الحكومة الشرعية في اليمن عن غضبها من موقف «غريفيث»، المبعوث الأممي لليمن، واعتبرته منحازاً لجماعة الحوثي، من خلال محاولته مساواة كافة فرقاء الصراع اليمني (الميليشيات المسلحة مقابل الدولة الشرعية). كما أن بعض المتابعين يستشفون أداءه وفق الغموض الذي يلف رؤية بلاده بريطانيا تجاه الموضوع في اليمن، والتي ربما تدفعها مصالحها للتقارب مستقبلاً مع إيران، رغم وجود مصالح كبيرة لها مع دول الخليج العربية. وهناك دلالات سياسية، منها زيارة وزير الخارجية البريطانية جيريمي هانت لطهران في نوفمبر الماضي ولقاء نظيرَه الإيراني محمد جواد ظريف.
وقد استغرب مراقبون من التناقض بين موقفي وزيرين داخل الحكومة البريطانية نفسها؛ فوزير الخارجية يصف تدخل إيران في اليمن بأنه يهدد أمن اليمن نفسه ومعه أمن دول الجوار أيضاً، فيما يرفض وزير الدولة لشؤون الشرق الأوسط وصف الدور التخريبي للحوثيين بأنه حرب بالوكالة عن إيران. ولعل هذا الارتباك من جانب بريطانيا، يترك ظِلَّه على أداء السيد غريفث.
بعد قيام الحوثيين بقصف عشوائي لمنازل اليمنيين وقتل الآمنين في عدن وحصارها لأربعة أشهر، عام 2015 لم يحرك مجلس الأمن الدولي ساكناً. وكذلك الحال بالنسبة لمدينة تعز.
إن الازدواجية التي تتسم بها مواقف الأمم المتحدة بشأن القضايا الإنسانية، أصبحت محل تساؤل عربي متزايد، لاسيما في ظل موقفها غير المشجع حيال الدور الذي تقوم به دول التحالف العربي وهي تقدم مليارات الدولارات من المساعدات الإنسانية الموثقة.
وقد انعقد مؤتمر ستوكهولم في 6 ديسمبر 2018 بضغوط أميركية وبريطانية على أطراف النزاع، وأصدر مجلس الأمن الدولي قراره رقم 2451 الذي صادق على بنود اتفاق ستوكهولم.
ولعل غريفيث، وهو دبلوماسي دولي محنك، قد استلهم من كيسنجر سياسة الخطوة خطوة، وفضل استخدام عبارة «التشاور» بدلاً من عبارة «التفاوض» التي أجّلها إلى مرحلة لاحقة. والسؤال الحيوي هو: «كيف سيتم إلزام الحوثيين ببنود اتفاق ستوكهولم للعمل بموجبه؟
أمّا التحدي الأكبر فسيتصل بكيفية إنهاء «الصراع اليمني» دون تسمية الخطر الإيراني باسمه؟!
في سياق القضايا العديدة التي تولتها الأمم المتحدة، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، لم يتم حل أي قضية، بل أصبحت ملكاً لإرادات أعضاء مجلس الأمن الدولي، باستثناء قضية تيمور الشرقية (في إندونيسيا)، والتي عرفت حلًا ًسريعاً.
في مارس 2015 انطلقت عاصفة الحزم لتحرير اليمن من نفوذ إيران عبر وكيلها الحوثي. ومنذ ذلك الوقت أصبحت الأمم المتحدة جهة حاضرة في الصراع الذي تدور رحاه إلى الآن.