منذ إعلان صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، في يوليو 2014، إنشاء وكالة الفضاء الإماراتية وبدء العمل على مشروع لإرسال أول مسبار عربي وإسلامي إلى كوكب المريخ، والجهود والمبادرات لا تتوقف من أجل المضي قدماً في إنجاز هذا المشروع الحضاري العملاق، وخاصة فيما يتعلق بالعمل على إعداد الكوادر المواطنة وتأهيلها لكي تقود هذا القطاع الحيوي. وفي هذا السياق فقد أنهى مؤخراً، عشرون طالباً إماراتياً برنامج الماجستير في مجال علوم الفضاء الذي أسسته شركة «نورثروب جرومان» بالتعاون مع الياه للاتصالات الفضائية «الياه سات»، الشركة العالمية الرائدة في مجال تشغيل الأقمار الاصطناعية والمملوكة بالكامل لشركة «مبادلة للاستثمار»، ومعهد مصدر، وذلك في خطوة نوعية تعكس الاهتمام الذي توليه الجهات المعنية لتأهيل الكوادر المواطنة في مجال الفضاء.
ويعد الاستثمار في بناء الكوادر المواطنة أهم مرتكزات مشروع الفضاء الإماراتي، وهناك العديد من البرامج الطموحة المخصصة لهذا الشأن، فالبرنامج التعليمي لوكالة الإمارات للفضاء يهدف إلى تأسيس بنية تعليمية وعلمية متكاملة وذلك من خلال إعداد وتنمية وتأهيل الكوادر الوطنية لتشجيعهم على العمل في قطاع الفضاء في الدولة بما يتناسب مع احتياجات القطاع الفضائي الوطني، حيث تقوم الوكالة باستقطاب الطلاب المتميزين من مواطني الدولة لتحصيل الدرجات العلمية في مجال الفضاء داخل وخارج الدولة، كما يسعى البرنامج إلى رعاية المواهب الناشئة وتطوير مهارات الطلبة والمعلمين وتنميتهم في مجال العلوم والهندسة والتكنولوجيا والرياضيات. كما تعمل الوكالة على نشر الوعي والمعرفة بمجال الفضاء لإلهام الطلبة لدراسة التخصصات الفضائية المطلوبة. كما تقوم الوكالة أيضاً بابتعاث مجموعة من الطلاب المتميزين في بعثات خارجية ومحلية، وذلك من خلال شراكة استراتيجية مع وزارة شؤون الرئاسة وصندوق دعم قطاع الاتصالات، فضلاً عن العمل مع الجهات التعليمية والأكاديمية باستخدام مفهوم الفضاء كإلهام، وتشجيع الطلبة للإقبال على دراسة العلوم والتقنيات في سبيل الإسهام برحلة الدولة نحو الفضاء.
وهناك أيضاً برنامج «الإمارات لرواد الفضاء»، الذي يهدف بالأساس إلى إعداد وتأهيل روّاد فضاء إماراتيين من الشباب والشابات المتفوقين علمياً وتمكينهم في علوم الفضاء كي يسهموا في الارتقاء بقطاع الفضاء ليكون في صدارة العملية التنموية في الدولة خلال السنوات الخمسين المقبلة، ولتكون دولة الإمارات مركزاً للقطاع الفضائي في المنطقة ومن الدول الرائدة في مجال الصناعات الفضائية والتقنيات المرتبطة بها. ولا شك في أن إعلان اسم أول رائدي فضاء إماراتيين من بين 4000 شاب وشابة إماراتيين تقدموا للاختبارات، في شهر سبتمبر الماضي، ضمن هذا البرنامج، يشكل خطوة متقدمة في توجه الإمارات نحو خوض غمار السباق العالمي في استكشاف الفضاء، ويؤكد أن طموح الإمارات كي تكون واحدة من الدول الكبرى في هذا المجال، أصبح واقعاً وحقيقة قائمة.
إن الاستثمار في بناء الكوادر المواطنة في مجال الفضاء ينسجم مع السياسة العامة لوكالة الإمارات للفضاء التي تسعى إلى توطين هذا القطاع بالكامل، باعتباره من القطاعات الحيوية والاستراتيجية التي تقتضي أن يكون العاملون فيه من الخبرات المواطنة. ولعله من المؤشرات الإيجابية والمهمة في هذا السياق إطلاق القمر الاصطناعي «خليفة سات» في أكتوبر الماضي، بأيدٍ إماراتية مئة في المئة، حيث تم بناء وتصنيع «خليفة سات» بالكامل في دولة الإمارات العربية المتحدة، وبكفاءات إماراتية بنسبة مئة في المئة، عبر فريق عمل وطني متكامل من مركز محمد بن راشد للفضاء يضم 70 مهندسة ومهندساً إماراتياً، تراوحت أعمارهم بين 27 و28 عاماً، واستغرق تصنيعه 4 أعوام من التجهيز والاستعداد والتدريب، الأمر الذي يؤكد أن الإمارات تمضي في الطريق الصحيح، وأنها تمتلك ثروة بشرية مؤهلة قادرة على تحقيق حلمها في إرسال أول مسبار عربي وإسلامي إلى كوكب المريخ بقيادة فريق عمل إماراتي في عام 2021، وهو العام الذي يصادف الذكرى الخمسين لقيام دولة الاتحاد.

 *عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.