قررت الإمارات والسعودية إغاثة الشعب الإيراني المتضرر من الكارثة التي أحلت به، وهذه خطوة إنسانية تنم عن فهم حضاري للحياة ولعلاقات الجوار. إن كل ما تفعله إيران من أعمال في السر والعلن، داخلياً وخارجياً، تعتقد أنه يخدم المصالح العليا لإيران، ويندرج في إطار رؤيتها القومية الفارسية للإقليم والعالم. هذه هي الحقيقة في الداخل الإيراني، كما لدى أذرعها في الخارج، بمن فيهم، بعض مثقفينا العرب، ممن كانوا يوماً يساريين (متطرفين) في وطنيتهم وقوميتهم. إنها حقيقة هي كل ما يمكن أن يضع يده عليها المهتم بالشأن الإيراني، وهذا بدأ منذ ثورة الخميني عام 1979م. يبقى أن كل ما يقال دون ذلك أو فوق ذلك، هو كلام لا تلقي إيران له بالاً، ولا تعتبره وازناً بالنسبة لها، وإن تعاملت معه أحياناً بدبلوماسية نافية، فإن استراتيجيتها السياسية على الأرض، في الإقليم العربي خصوصاً، تثبت عكس ذلك، وتظهر الحقيقة من دون لبس. دول الجوار الخليجي والعربي، ممن تضرروا من أعمال إيران ورأوا فيها عدوانية سافرة، مروراً بدول أفريقية وأوروبية، وصولاً إلى أميركا اللاتينية، كلهم يعلمون بحقيقة هذه الرؤية، وإنْ خلا الخطاب الإيراني الرسمي منها. وكمثال لا الحصر، لنأخذ تجربة انتقام إيرانية في بلد كالعراق، لقد تصرفت إيران بخبث شديد في العراق، عملت على اغتيال وتهجير الأدمغة والعلماء، لتظل الذراع الباطشة بالقبائل العربية. وتوزعت هذه الذراع بين «صحوات» و«دواعش» في انتظار عمل طاغ وممنهج في المستقبل. ولم يعد في الطرف المقابل، الطرف العراقي، من علماء ومفكرين متمكنين وقادرين على الصد والمقاومة، بينما الطرف الإيراني الديني (الثيوقراطي)، زخر بأسماء كـ(بهشتي وبروجردي والأراكي والسيستاني وخامنئي ومنتظري وشريعة مداري ومرعشي النجفي والشيرازي ومرتضى العسكري) تسانده ذراع سياسية - عسكرية كـ(قاسم سليماني وعلي أكبر ولايتي ومحمود الشاهرودي ولاريجاني ورفسنجاني وجواد ظريف).
ولم تكتف إيران بتمزيق النسيج الاجتماعي للعراق، وإلغاء ثقافته التاريخية التي صهرت كل الأعراق والمنابت والإثنيات والطوائف والمعتقدات، بل ذهبت إلى فجور أعمق، إلى محاولة إذلال المواطن العراقي الذي كان ينتمي يوماً إلى بلد قوي له ثقله الوازن على المسرح العالمي، فأغرقته، عبر مُعمميها في المآتم والأحزان، لتشل تفكيره، وفي خط مواز، بالغت في صناعة الجهل (المقدس)، فأهتم المعممون بتربية النشء - أبناء المستقبل - على الماضوية ليقيموا في كهوفها الموغلة في الظلام، ولتصل نسبة الأمية إلى 40 بالمئة، بينما كان العراق في الثمانينيات، وفقاً لليونسكو (أول دولة في الشرق الأوسط استطاعت القضاء على الأمية).
وثالثة الأثافي، تحويل قطاع كبير من أبناء العراق، البلد الذي صمد يوماً في وجه إيران 8 سنوات وانتصر عليها، إلى قسمين: الأول يخدم مواكب (الحجيج) من الحدود الإيرانية إلى محافظة كربلاء، فيحملون لهم قدور (الأرز واللحم) على رؤسهم، والقسم الآخر، ويا للمأساة، يجلس على دروبهم ليدلك أقدامهم (طمعاً في التقرب إلى الله، وفقاً لفتوى إيرانية). ورغم ذلك كله، تبقى المساعدات الإنسانية الإماراتية السعودية واجباً بلا منّة، لا علاقة لها بأعمال إيران العدائية.