هناك فكرتان تقدميتان مطروحتان حالياً: «الصفقة الجديدة الخضراء» بشأن تغير المناخ و«ميديكير للجميع» بخصوص إصلاح الرعاية الصحية. كلاهما من شأنهما أن تدفعا السياسات الأميركية إلى اليسار، وكل واحدة منهما يرعاها سياسي يصف نفسه بالاشتراكي: «الصفقة الجديدة الخضراء» ترعاها ألكسندريا أوكازيو كورتيز، و«ميديكير للجميع» يرعاها بيرني ساندرز. لذا فكلا الفكرتين تخيفان ليس المحافظين فحسب، وإنما الكثيرين ممن يعتبرون أنفسهم من وسط الطيف السياسي الأميركي أيضاً.
غير أنه إذا كانت الفكرتان تبدوان متشابهتين، وإذا كنتَ تنظر إلى كل الأشياء نظرة «اليسار مقابل اليمين»، فإنهما مختلفتان جداً بخصوص بُعدٍ آخر، يمكن أن تسميه «الصفاء مقابل البرغماتية». وهذا الاختلاف هو ما يجعلني أعتقد أنه ينبغي للتقدميين أن يتبنوا «الصفقة الجديدة الخضراء»، وأن يتوخوا الحذر بشأن «ميديكير للجميع».
فرغم طموحها الكبير، فإن «الصفقة الجديدة الخضراء» تمثل تمريناً براغماتياً على فكرة أن «المثالي عدو الجيد». لكن ما هو المثالي في هذه الحالة؟ إنه «الصفائيون»، أو الأشخاص من ذوي النزعة الصفائية، الذين يركزون على فكرة اعتماد ضريبة كربون من أجل ثني الناس عن الغازات المسببة للاحتباس الحراري، ولا ينظرون برضا إلى أي مقترح لا يولي الأهمية لهذه الضريبة.
والواقع أن هناك بعض الحجج الاقتصادية الضيقة المؤيدة لطيف أوسع من السياسات العامة، وعلى سبيل المثال، فإن دعم الحكومة قد يكون حاسماً لتطوير تكنولوجيات طاقة جديدة. غير أن الأهم من ذلك هو الاقتصاد السياسي، إذ من شأن ضريبة الكربون أن تضر بعدد مهم من الأشخاص، وليس مليارديرات الوقود الأحفوري مثل الأخوين كوش فقط. ولذلك، فإن ضريبة الكربون لوحدها هي من نوع السياسات التي يحبها التكنوقراط ويكرهها الكثير من المواطنين العاديين، مثلما أظهرت ذلك الأحداث التي وقعت للتو في فرنسا، حيث تم العدول عن زيادة في ضريبة الوقود كان مخططاً لها تحت ضغط احتجاجات «السترات الصفر» الغاضبين.
لكن كيف يمكن جعل تدابير تروم حماية المناخ ممكنةً سياسياً؟ جواب «الصفقة الجديدة الخضراء» هو جمع تدابير تروم تقليص الانبعاثات ضمن حزمة واحدة مع الكثير من الأشياء الأخرى التي يحبها الناس، مثل استثمار عام كبير حتى في المجالات التي لديها علاقات مباشرة ضعيفة مع تغير المناخ.
ويمكنك أن تسمي الصفقة الجديدة الخضراء «مقترحاً للتحول الاقتصادي يشمل تدابير من أجل المناخ»، لكن يمكنك أن تسميها «شجرة عيد الميلاد»، وهي تسمية تقليدية لتشريعٍ مرصَّع بكثير من الإضافات.
وبالمقابل، يمثّل «ميديكير للجميع» تمريناً على فكرة أنه لا يجب القبول بأي شيء دون المثالي. وبالفعل، فإن ساندرز رفض دعمَ مقترحِ نانسي بيلوسي (رئيسة مجلس النواب الديمقراطية) تحسين قانون «أوباماكير»، رغم أن مقترحها يقضي بتوسيع تغطية التأمين الصحي لتشمل ملايين الأميركيين، وجعلها رخيصة أكثر بالنسبة لملايين آخرين. ذلك أنه يعتقد بأن تحسين الأشياء وتجويدها من شأنه إضعاف الدعم لتحولٍ أكثر جذرية.
والحال أن العراقيل السياسية لمخطط من النوع الذي يدافع عنه ساندرز كثيرة وكبيرة. ذلك أن قرابة 180 مليون أميركي يستفيدون من تغطية تأمين صحي خاص، والكثير منهم راضون عن تغطيتهم. ثم إن استطلاعات الرأي تشير إلى أنه إذا كان رد فعل الجمهور على شعار «ميديكير للجميع» إيجابياً، فإن ذلك الدعم ينخفض بسرعة عندما يعلم الناس أن من شأنه إلغاء التأمين الخاص وأنه يتطلب زيادات ضريبية.
غير أن رأي ساندرز هو أنه إذا كان الزعيم أن يتحلى بما يكفي من عزيمة وتصميم، فإنه سيستطيع التغلب على تلك الشكوك وإقناعَ الكثير من الناخبين بالفكرة. وتخميني أنه إذا نجح ساندرز في الوصول إلى البيت الأبيض، فإنه سرعان ما سيجد أنه لا يستطيع تنفيذ رؤيته الطموحة، وسيجرّب في نهاية المطاف بديلاً أقل «صفائية». ولنكن واضحين: إن أميركيين أكثر بكثير ستكون لديهم رعاية صحية رخيصة في حال انتخاب أي ديمقراطي منه في حال احتفظ ترامب بالسلطة.
لكنه من المهم إدراك أن «الصفاء مقابل البراغماتية» يمثّل بين الديمقراطيين محوراً مهماً أهمية «اليسار مقابل اليمين». والفكرتان التقدميتان الكبيرتان على طرفي ذاك المحور.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»
https://www.nytimes.com/2019/04/11/opinion/green-new-deal-medicare-for-all.html