سعت جماعة «الإخوان» في مصر، والجماعات والأحزاب المرتبطة بها في بلدان عربية عدة، لفترة طويلة إلى إقناع الشعوب بأن التحذير من خطر وصولها إلى السلطة ليس إلا «فزَّاعة» تُستخدم لمنع حدوث تغيير سياسي في هذه البلدان. لكن ما إن اعتلى «الإخوان» السلطة في مصر عام 2012، مستغلين الفراغ السياسي الذي ترتب على تنحي الرئيس الأسبق حسني مبارك، حتى تبين أن ذلك التحذير لم يكن للتفزيع بل للتنبيه والتوعية.
ولذا، أصبح حضور أحزاب «الإخوان» وجماعاتهم، وغيرها من الحركات التي تستخدم الإسلام غطاءً سياسياً، مثيراً للقلق في حالات التحول أو الانتقال، كما يحدث في الجزائر الآن. فقد حرص المشاركون في الحراك الشعبي، منذ بدايته في 22 فبراير، على إبعاد هذه الأحزاب والجماعات. ولم يكن مشهد رفض ظهور قادة أحدها (عبد الله جاب الله رئيس «حزب العدالة والتنمية») في إحدى المسيرات الشعبية يوم 15 مارس الماضي، إلا التعبير الأكثر وضوحاً عن قلق الجزائريين من أن تقفز على الحراك وتركب موجته، كما حدث في بلدان عربية عدة عام 2011، وما بعده. فقد حاصر مئات المشاركين في تلك المسيرة «جاب الله» وأتباعه الذين ذهبوا معه، وهتفوا يطالبونه بالرحيل، بالعربية «إرحل يا جاب الله»، حتى أُرغم على مغادرة المكان.
لكن مشاركة أحزاب وجماعات «إسلامية» عدة في اجتماعات تعقدها قوى المعارضة في الجزائر، وفي إصدار بيانات مشتركة معها، تدل على أنها تصر على الحضور في المشهد، وتفرض التساؤل عن حدود الدور الذي تستطيع القيام به في ظل القلق الشعبي الواسع منها.
ورغم أن هذه الأحزاب والحركات لم تتمكن من إيجاد موطئ قدم لها في قلب الحراك الشعبي، وفشلت في اختراق المسيرات والتظاهرات السلمية، يظل السؤال عن حدود دورها مطروحاً ما دامت هناك انتخابات ستُجرى. فأكثر ما نجحت فيه أحزاب «الإسلام السياسي» وحركاته هو بناء تنظيمات قوية، بل ربما يكون هذا هو المجال الوحيد الذي أفلحت فيه، لأنه لا يتطلب عقلاً تفتقر إليه، بمقدار ما يحتاج توظيف الأعضاء والأتباع واستخدامهم بطريقة تحقق أقصى استفادة منهم، واستغلال تنشئتهم على السمع والطاعة من دون تفكير لأداء أي أعمال تُطلب منهم. وعندما يتوفر المال اللازم لدعم قدرة هؤلاء الأعضاء والأتباع على التحرك، وتقديم خدمات اجتماعية صحية وتعليمية، وغيرها، يصبح التنظيم أقوى. وقد ثبت في السنوات الأخيرة أن أحزاب «الإسلام السياسي» وحركاته حصلت على تمويل كبير من سلطتي بلدين في منطقة الشرق الأوسط، وأن هذا التمويل كان أحد أهم العوامل التي ساهمت في صعودها في بلدان «الربيع العربي»، قبل أن تكشفها التجربة وتؤدي إلى انتشار القلق منها.
فهل تستطيع هذه الأحزاب أن تركب موجة الانتقال السياسي الذي يحدث في الجزائر، وتنفُذ إلى السلطة عن طريق الانتخابات البرلمانية التي يُرجح أن تراهن عليها، وليس على انتخابات الرئاسة لأن الدرس المصري أقوى من أن يمكن نسيانه، أو تجاهله؟
الأرجح أن حالة القلق من تكرار تجارب «الربيع العربي» المؤلمة ستكون العامل الأول الأكثر تأثيراً في نتائج الانتخابات التي ستحمل عدداً من هذه الأحزاب إلى البرلمان، ولكن تمثيلها سيكون محدوداً لا يتجاوز ما حصلت عليه في انتخابات مايو 2017، بل ربما يتراجع لأن معدلات المشاركة المتوقعة فيها ستكون أكبر بكثير، مقارنة بتلك الانتخابات التي كانت نسبة الاقتراع فيها حوالي 38% فقط.
وليس متوقعاً، أيضاً، أن تلتئم هذه الأحزاب التي يزيد عددها على عشرة في ائتلاف واحد، بسبب اختلاف مصالحها وتحالفاتها ومصادر تمويلها. وقد خاضت ستة من هذه الأحزاب انتخابات 2017 في ثلاث جبهات حصلت أكبرها (حزب مجتمع السلم وحركة التغيير) على 34 مقعداً، والثانية التي كانت قريبة من نظام الرئيس عبد العزيز بوتفليقة (تجمع أمل الجزائر) على 19 مقعداً، والثالثة التي نتجت عن تحالف ثلاثة أحزاب (العدالة والتنمية، والنهضة، والبناء الوطني) على 15 مقعداً.
وحتى بافتراض أنها يمكن أن تلتقي تكتيكياً، فالأرجح أنها لن تنال أكثر مما حصلت عليه مجتمعة في انتخابات 2017، وهو أقل من 15% من مقاعد البرلمان (69 من أصل 464 مقعداً)، بل ربما يقل نصيبها بمقدار ما يزداد عدد المقترعين في الانتخابات المقبلة، لأن القلق من كل ما يتعلق بـ«الإخوان» أصبح أقوى في لحظة انتقال سياسي يخيم فيها شبح تجارب عربية مؤلمة في سماء البلاد.