في شكل درامي من على عمق 124 متراً تحت سطح البحر، ومن داخل غواصة بعثة بريطانية علمية، أطلق رئيس سيشل الحالي «داني فور» نداء إلى العالم بضرورة المحافظة على البيئات البحرية في البحار والمحيطات، مؤكداً أن الصحة البيئية للمحيطات تعتبر شرطاً أساسياً لاستمرار بقاء الجنس البشري على سطح هذا الكوكب.
وتأتي هذه التصريحات على خلفية قيام هذه الجمهورية الصغيرة الواقعة في المحيط الهندي شرق القارة الأفريقية، والمكونة من أرخبيل من الجزر الصغير، بتخصيص مساحة 210 آلاف كيلومتر من مياهها الإقليمية، وهي مساحة تفوق مساحة بريطانيا العظمى، كمحمية بحرية منذ فبراير 2018، مع النية والتخطيط لتخصيص ما يعادل 30 في المئة من مساحة مياهها الإقليمية كمحميات طبيعية بحلول عام 2020، مقارنة بمتوسط 16 في المئة فقط من مجمل المياه الإقليمية لجميع دول العالم.
ورغم أن تخصيص سيشل لهذه المساحات الضخمة كمحميات طبيعية يتشارك مع باقي المحميات الطبيعية البحرية، على صعيد خفض النشاطات السياحية وصيد الأسماك والكائنات البحرية، فإنه يتميز بكونه أول مرة يتم فيها إعفاء دولة من جزء من ديونها الدولية، مقابل تخصيص مساحات من أراضيها أو مياهها الإقليمية كمحميات طبيعية، وهو المثال الذي يمكن أن يحتذى في دول ومناطق أخرى من العالم.
وسعياً خلف الحشد الشعبي لخطط زيادة المساحة المخصصة كمحميات طبيعية، أعلن رئيس سيشل من داخل الغواصة البريطانية، أن المحيطات هي (القلب الأزرق) النابض للكوكب، ولكنها تتعرض حالياً لتهديدات غير مسبوقة، مضيفاً أننا كجنس بشري نجحنا في التأثير سلبياً بشكل فادح على بيئة كوكب الأرض من خلال التغيرات المناخية وغيرها، وخلال سنوات وعقود من إساءة الاستخدام للمصادر الطبيعية، تمكنا من خلق مشاكل بيئية متعددة وخطيرة، وهي المشاكل التي يجب أن نتكاتف جميعاً لحلها.
وجدير بالذكر هنا أن البيئة البحرية للمحيطات ستشكل أحد المواضيع الخمس الرئيسية في قمة الأمم المتحدة عن المناخ، والمقرر عقدها في «سانتياغو» عاصمة «شيلي» ديسمبر المقبل. ويتوقع أن تحتل قضية تصحر البيئات والمحيطات مكانة متقدمة، على قائمة أولويات المشاركين في هذه القمة الدولية السنوية. ورغم أن التصحر في مدلوله العام يُعنى في الأصل بالأراضي الصلبة أو اليابسة، فقد أصبح يستخدم مؤخراً، لوصف المناطق من البحار والمحيطات، التي أصبحت غير ملائمة أو مناسبة لحياة الكائنات البحرية، نتيجة تدهور الظروف الطبيعية، مثل تلوث الماء، وتلوث القيعان، وباقي الأراضي المحيطة بالبيئة المائية المعنية. وبوجه عام، توجد عوامل عدة تعتبر مسؤولة عن الجزء الأكبر من تحول مساحات شاسعة في البيئات المائية من بحار ومحيطات إلى صحار مائية.
أول هذه العوامل وربما أهمها، هو التغير المناخي، وما ينتج عنه من زيادة درجة حرارة الهواء وحرارة ماء البحر، ومن خفض في تركيزات النيتروجين، والفسفور، والأوكسجين، مما يمهد الطريق لتكوين ما يعرف «بالمناطق البحرية الميتة» أو التصحر البحري. العامل الثاني خلف هذا التصحر، هو زيادة حموضة مياه البحار والمحيطات، أو بشكل أدق فقدانها لقلويتها. وتنتج هذه الزيادة في الحموضة أو تراجع القلوية إلى ذوبان غاز ثاني أكسيد الكربون -المسؤول أصلاً عن ظاهرة الاحتباس الحراري- في مياه البحار والمحيطات، ومن ثم تكوين حمض الكربونيك.
ويكفي لكي ندرك فداحة النشاطات البشرية، وما ينتج عنها من غاز ثاني أكسيد الكربون والذي يؤدي بدوره إلى زيادة حموضة البحار والمحيطات، حقيقة أن بين عامي 1750 و1996 ارتفعت حموضة مياه البحر بمقدار 35 في المئة، وهي الزيادة التي تشير التقديرات إلى استمرارها، وتصاعد وتيرتها، إذا لم تتخذ الإجراءات الكفيلة بخفض انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون، وباقي غازات ظاهرة «البيت الزجاجي»، وما ينتج عنها من احتباس حراري، واحترار عالمي يؤدي بالتبعية لتغيرات مناخية.
ورغم أن تاريخ وكيفية ظهور المحيطات غير معروفين، فإنه يعتقد أنها كانت الموطن الأول لظهور الحياة على كوكب الأرض. وحالياً تشكل المحيطات المكون الأساسي والأكبر في البيئات المائية على سطح كوكب الأرض، التي تُعد فائقة الأهمية للحياة، وجزءاً رئيسياً من دورة الكربون، ومؤثراً قوياً جداً على الظروف الجوية والمناخ بوجه عام. ويقدر حالياً أن المحيطات تعتبر الموطن البيئي لأكثر من 230 ألف شكل من أشكال الحياة المختلفة. وفي ظل حقيقة أن جزءاً كبيراً من المحيطات لا زال غير مكتشف، يتوقع البعض أن المحيطات تحتضن حالياً أكثر من مليوني نوع وصنف، من الأصناف والأشكال المختلفة للحياة.