حتى وقت كتابة هذا المقال، ليس لدى الولايات المتحدة وزير دفاع أو وزير أمن داخلي، ولا حتى سفير إلى الأمم المتحدة، أو رئيس لـ«الجهاز السري»، ولا رئيس دائم لوكالة الجمارك والهجرة الأميركية. كما أنه ليس لدى الولايات المتحدة سفراء صودق على تعيينهم إلى البلدان المهمة التالية: الاتحاد الأوروبي، والمكسيك، وتركيا، والسعودية، ومصر، وكوريا الجنوبية، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، والسويد، وليبيا، والسودان، والصومال، وإيرلندا. وهناك 26 منصب سفير آخر لا تزال شاغرة هي كذلك. كل هذا يعكس حقيقة كون الحكومة الحالية غير قادرة على معالجة تحديات الحكم اليومية، ناهيك عن تسيير شؤون البلاد في حالة وقوع أزمة حقيقية.
أحد أسباب هذه المشكلة هو أن حملة ترامب لم تكن تتوقع له الفوز في انتخابات لرئاسة لعام 2016، وبالتالي، فإنها كانت غير مستعدة البتة لذلك الانتصار الذي فاجأ في نهاية المطاف كثيرين داخل البلاد وخارجها. فقد تم تشكيل فريق انتقالي على عجل يرأسه حاكم ولاية نيوجيرزي كريس كريستي، لكن يبدو أن ترامب لم يكن يعير نصائحه كبير اهتمام. كما عرفت الأيام الأولى لإدارة ترامب تأخيراً طويلاً في التعيينات الخاصة بالمناصب الرفيعة. ومما فاقم المشاكل الارتباكُ والاقتتال الداخلي في البيت الأبيض نفسه، وقد عكستهما الإقالة المبكرة لمستشار الأمن القومي مايكل فلين بسبب كذبه على مكتب التحقيقات الفدرالي. وكان ذلك مؤشراً على وجود مشاكل جمة منتظرة داخل البيت الأبيض في المستقبل القريب.
أما السبب الثاني للوضع الحالي، فهو العدد المذهل للمسؤولين المعينين الذين أقيلوا أو استقالوا خلال العامين الأولين من عمر هذه الإدارة. وكان معنى ذلك أنه إذا لم يتم تعيين خلفاء لهم وتثبيتهم في مناصبهم من قبل الكونجرس، فإن الوظائف الرفيعة ستُترك في أيدي أشخاص يقومون بمهام رؤساء وزارات ووكالات فدرالية.. لكن بدون مراقبة من جانب اللجان المناسبة في مجلس الشيوخ أو موافقتها. وهذا يقودنا إلى سبب ثالث للفراغ المذكور، ألا وهو أن دونالد ترامب يحب الأمور على هذا النحو! فعندما سئل حول الفراغات الكبيرة في التعيينات المؤكدة الرسمية في حكومته، والعدد الكبير من الرؤساء «بالإنابة»، رد ترامب قائلا: «إنني أحب بالإنابة، لأنها تمنحني مرونة. هل تفهم ذلك؟ أحب (بالإنابة). ولهذا لدينا بعض المناصب التي يشرف عليها رؤساء بالإنابة. لدينا حكومة ممتازة للغاية». والواقع أن السبب بسيط، ذلك أن رؤساء الوكالات بالإنابة لا يخضعون للفحص والتدقيق من قبل مجلس الشيوخ، ومع ذلك لديهم تقريباً ذات الصلاحيات التي يتمتع بها رئيس وزارة أو وكالة من أجل تطبيق السياسات. غير أنه بسبب وضعهم، لا يحظون باحترام الموظفين التابعين لهم أو ولائهم ويخضعون لنزوات الرئيس وأوامره بشكل حصري.
وعلى مدى العام الماضي، نحّى ترامب الأشخاص المحوريين الذين كانوا يوفّرون جداراً واقياً ضد سياساته الأكثر خطورة، التي يعبّر عنها عادة بدون تشاور على تويتر. وتشمل قائمة المغادرين إتش. آر. ماكماستر، ثاني مستشار لترامب لشؤون الأمن القومي، وريكس تيلرسون، وزير الخارجية، وجيمس ماتيس، وزير الدفاع، وجون كيلي، كبير موظفي البيت الأبيض السابق. كل هؤلاء المستشارين الكبار عُرف عنهم أنهم كانوا يتحدَّون بعض أوامر ترامب الأكثر إثارة للجدل أو يعارضونها أو يتجاهلونها أحياناً. ولا شك في أن وزير الخارجية الحالي مايك بومبيو لاعب قوي، ولكن يُعتقد أنه أكثر انحيازاً إلى مبادرات ترامب السياسية من كل المشار إليهم سابقاً.
والواقع أن ثمة ارتباكاً متزايداً حول العالم في ما يتعلق بكيفية صنع القرارات في واشنطن. فهل تشير تغريدات ترامب الآن إلى الاتجاه الأرجح للسياسة الأميركية؟ إذا كان الأمر كذلك، فإن أخطاء كارثية يمكن أن تحدث في حالة أزمة حقيقية، سواء في الداخل أو في مكان آخر. فأزمة الحدود مع المكسيك، أو المواجهة بين الولايات المتحدة وفنزويلا أو إيران، يمكن أن تؤدي إلى أخطاء قد تتصاعد بسرعة وتخرج عن السيطرة. وتدبير حالات الطوارئ مثل هذه يتطلب حكومة متماسكة ومنسجمة. والحال أن مثل هذه الحكومة لا وجود لها حالياً في واشنطن للأسف الشديد.