لماذا دبي مفضلة لدى أكثر من مليار من سكان العالم للسياحة فيها أو العبور من مطاراتها إلى وجهات أخرى، أو حتى العمل والاستقرار بها؟! استمعت إلى حديث لإحدى العوائل البريطانية بعد أن عاشوا في دبي ثلاثة عقود متتالية، قرروا بعدها العودة إلى وطنهم الأم، يقول الأب وفي المطار لم يصدقوا أننا راحلون عن مرباهم فانهملوا في البكاء والعويل لرفضهم العودة إلى لندن التي لا تصبر الناس عن زيارتها، أما أبنائي فليس لهم أي شعور تجاهها، وكنت أسحبهم إلى سلم الطائرة سحبا ولم يكونوا أطفالا بل رجالا ولدوا كلهم في دبي، ولم أتصور أنهم سيتعلقون بهذه الدُرة إلى هذه الدرجة من العاطفة الجياشة.
قابلت رجلاً بالمصادفة في أحد المحلات في سوق نايف ببر ديرة، فدار بيننا حديث جانبي حول فترة عمله في دبي، فقال أتيت إلى دبي في سن المراهقة، ولم أغادرها وأنا الآن في سن الكهولة.
وقال لي «إنني أحد الأشخاص الذين كانوا يحضرون مجالس الشيخ راشد رحمه الله، ففي إحدى المرات قال لي ما ترى أن نمنحك جواز دبي وتستقر بقية حياتك فيها.
فشكرته لكرمه الغامر، واعتذرت منه بلطف يليق بمقامه، فسألني عن السبب فقلت له طويل العمر خيرك علي سابق بكل صراحة مذ دخولي دبي لم أحتج لشيء فبالجواز الذي معي أسست تجارتي البسيطة وأدخلت أبنائي المدارس وفي المستشفيات المتوافرة أعالجهم إذا مرضوا، وأكثر من ذلك ليس لي حاجة، ولم تتعرقل لي مصلحة في هذه البلاد أبدا».
قبل فترة وجيزة في القرية العالمية كنت فعلا أرتشف شاي «كرك» في أحد أكشاكها، فجلس بجانبي شابان سعوديان فبادراني بالسلام مثابة الوالد، فقال أحدهما: أنا ما جئت إلى دبي إلا من أجل شرب شاي «كرك» اللي عندكم يجنن. ثم قدم لي صديقه الذي يزور دبي لأول مرة، فقلت له أبشر ما دام إنك شربت «كرك دبي» فلن تصبر عنها.
في عام 2008، عندما عانى العالم من الأزمة المالية التي شبهت بالأزمة التي وقعت عام 1928 من القرن الماضي، كتبت مقالا بعنوان «اقتصاد شاي كرك» ولكني لم أنشره إلى اليوم بسبب تسابق الأحداث المتوالية حتى الساعة.
ولكن سأذكر مختصر فكرته، وكان الحديث ساعتها عن اقتصاد الإمارات ومدى تأثره بتلك الأزمة، فتذكرت بدايات تأسيس الدولة وكيف أن بعض أصحاب الأعمال بدأ تجارته ببيع أكواب من شاي «كرك» ليس إلا. وقد كنت أحد رواد هذا «الكانتين» الذي لا يكاد يبين، مع مرور الأيام بدأ يضيف إلى «المينيو» أو قائمة الطعام بعض الوجبات الخفيفة ومعها أصناف من المشروبات المعتادة، ولكن لم يتخلَ عن بذرة التأسيس في شاي «كرك» الذي كان الناس أمامه طوابير.
دبي التي استطاع الناس فيها ممارسة الصمود ولو باقتصاد شاي «كرك» لم تخذل أحداً في تلك الفترة الصعبة فقد استطاعت بحنكة وذكاء اقتصادي إعادة جدولة كل مشاريعها الحيوية التي وعدت العالم بإنجازها.
وكان موعد سكان دبي مع الحدث الذي لم يؤجل، ألا وهو الإعلان عن افتتاح أطول مترو تم إنشاؤه على مستوى العالم دون أي تأخير ففي 9/9/2009، وفي تمام الساعة التاسعة وتسع دقائق وتسع ثوان انطلق مترو دبي بصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، في جولة حول الإمارة، إيذاناً بترك الأزمة المالية خلف ظهرها حتى لا تعيقها عن عودة الروح الوثابة والصورة الخلابة إلى الإمارة التي تصر على تخطي التحديات دون بلبلة ولا ضجيج بوضوح الرؤية وفكر القيادة الرشيدة.
دعوني، أسرد لكم على عجالة بعض الأرقام التي تقدم دبي للعالم الذي يحترم الذين يقفزون إلى المستقبل كجري الغزال. فدخل دبي من السياحة عام 2018 قرابة 77 مليار درهم، ويدعم هذا القطاع بقوة منذ ثلاثة عقود طيران الإمارات التي لم تخسر ولو لمرة واحدة وقد بلغت آخر أرباحها الصافية قرابة ستة مليارات درهم.
وفي دبي «إعمار العقارية» التي تُعد من أقوى الشركات التي تملك أصولاً تقارب الربع تريليون درهم، وقد غيرت وجه دبي مرات عدة مع أخوتها «دبي القابضة» و«مراس» و«نخيل» و«الوصل» وغيرها من الشركات الوطنية التي تساهم في تحقيق رؤية دبي الخمسينية. وقد أعدت حكومة دبي ضِعف الميزانية الحالية لضمان استمرار ألق «دار الحي» نحو الإشراق.