وقف الهنود في طوابير طويلة للإدلاء بأصواتهم في المرحلة الأولى من الانتخابات التي تتم على سبع مراحل، لاختيار حكومة جديدة في أكبر عملية ديمقراطية في العالم.
وجرى التصويت في أنحاء متفرقة من 20 ولاية في الأيام القليلة الماضية على 91 مقعداً مما إجماليه 543 مقعداً في البرلمان.
وهناك نحو 142 مليون شخص من حقهم التصويت في المرحلة الأولى التي تضمنت ثماني دوائر انتخابية في الشطر الشرقي من ولاية «أوتار براديش» التي يمثلها 80 نائباً في الغرفة الأدنى من البرلمان الهندي. ومن بين المقاعد الثمانية في هذا الجزء من الولاية، فاز بسبعة منها حزب «بهاراتيا جاناتا» الحاكم. وكانت شعبية «ناريندرا مودي»، رئيس الوزراء حالياً، قد أدت إلى انتصار كاسح في انتخابات 2014 حين حصل الحزب على أغلبية بمفرده لأول مرة فيما يزيد على ثلاثة عقود ليصل إلى السلطة.
والآن، يسعى الحزب الحاكم إلى تكرار انتصاره الذي أحرزه عام 2014 معتمداً على شعبية رئيس الوزراء الذي يعلن شعار «حكومة مودي مرة أخرى». لكن «مودي» يصارع «حزب المؤتمر» المنافس بقيادة رئيسه «راؤول غاندي» ومجموعة من الأحزاب الإقليمية الأخرى وزعمائها الذين يشنون حملتهم اعتماداً على انتقاد الافتقار إلى الوظائف مع انتظار الملايين لدخول سوق العمل.
فقد ارتفعت البطالة عام 2018 إلى 6.1% وهي أعلى نسبة في أكثر من أربعة عقود. وهناك استياء في المناطق الريفية التي يكدح فيها المزارعون في ظل أسعار منخفضة لمحاصيلهم وتزايد لديونهم. ويأمل حزب «المؤتمر» العلماني القومي الذي تولى السلطة في معظم الفترة التي تلت استقلال الهند، في أن يصعد من جديد بعد الضربة التي تلقاها في انتخابات 2014 التي لم يحصد فيها إلا 44 مقعدا. وأكبر إغراء يقدمه حزب «المؤتمر» في هذه الانتخابات هو وعده الناخبين بتقديم 72 ألف روبية كحد أدنى للدخل السنوي لدى 20% من أفقر أسر الهند.
وتنبأت استطلاعات الرأي بحصول الحزب الحاكم على عدد أكبر من المقاعد، لكن ليس مثل ما حققه في انتصاره الساحق عام 2014 بحصوله على 282 مقعداً.
ويظهر عدد من عمليات المسح أجرتها وكالات مختلفة أن مودي لن يعود إلى السلطة إلا بمساعدة حلفائه هذه المرة، وليس بالحصول على أغلبية بسيطة بمفرده كما فعل عام 2014. وحزب «المؤتمر» وحلفاؤه قد يحققون أيضاً مفاجأة في الحصول على عدد من المقاعد أكبر من المتوقع. صحيح أن الانتخابات الهندية تدور على أساس الطبقة والدين، لكن هذه المرة، أصبحت الوظائف والقومية قضايا انتخابية مهمة.
فقد تصدرت القضية القومية الواجهة بعد مقتل 40 جندياً في الجانب الهندي من كشمير الشهر الماضي مما أدى إلى اندلاع أعمال قتال بين الهند وجارتها باكستان.
ويقدم الحزب الحاكم نفسه باعتباره الوحيد القادر على حماية سيادة الهند واعداً في بيانه الانتخابي، بالصرامة التامة مع الإرهاب.
ومقتل الجنود أدى إلى تصاعد الحس القومي على امتداد البلاد. وصرح حزب بهاراتيا جاناتا في بيانه الانتخابي قبل المرحلة الأولى من التصويت بأنه قام على أساس «الروح القومية» في محاولة لاجتذاب قطاعات مختلفة في المجتمع الهندي.
ووعود الحزب تتفاوت من مضاعفة دخل المزارعين في غضون خمس سنوات وتقديم معاشات لصغار التجار إلى خلق المزيد من الوظائف في القطاع الحكومي.
وفي لفتة على أهمية الأمن القومي في هذه الانتخابات، استهل الحزب بيانه بوعود بشأن الأمن القومي مؤكدا على سياسة «عدم التهاون بالمرة» مع الإرهاب و«مواصلة اتباع سياسة توفير الحرية لقوات الأمن في مكافحة الإرهاب».
لكن المرحلة الأولى من الانتخابات تختبر أيضا شعبية زعماء الأحزاب الإقليمية، فهناك تشاندرا بابو نائيدو رئيس وزراء ولاية اندهرا براديش الذي يبني عاصمة الولاية بمساعدة من سنغافورة وهو يسعى إلى العودة إلى السلطة، وكل مقاعد الولاية البالغ عددها 25 مقعداً جرى التصويت عليها.
ويواجه «نائيدو» معركة ضارية أمام «جاغان موهان ريدي»، وهو زعيم حزب إقليمي آخر.
وفي ولاية «أتر براديش» هناك تحالف بين حزبين إقليميين قويين يمثل تحديا للحزب الحاكم ويحاول منعه من الوصول إلى السلطة عبر الولاية صاحبة أكبر عدد من المقاعد في الغرفة الأدنى من البرلمان. ورغم أن زعماء الحزبين خصمان لدودان لكنهما اتحدا للنيل من رئيس الوزراء مودي وحزبه.
ويتعين علينا أن نتمهل حتى نرى إذا ما كان الزعيمان الإقليميان- أحدهما يمثل المزارعين والآخر يمثل الطبقات الأدنى- سيتمكنا من مفاجأة الحزب الحاكم وإفساد عمل مودي وحزبه. وعلى أية حال، كل هذا ليس إلا تقييماً مبدئياً لأن المراحل الست الأخرى التي تتضمن انتخابات ولاية تاميل نادو في جنوب البلاد، وولاية البنغال في شرق البلاد، يتعين أن يجري التصويت فيها كي تقدم لنا رؤية أوضح لتوجه التصويت.
وفي الوقت الحالي يبدو أن الحزب الحاكم يتجه إلى الحصول على عدد أكبر من المقاعد وليس أغلبية بسيطة بمفرده.
*رئيس مركز الدراسات الإسلامية في نيودلهي