عندما كشف دونالد ترامب عن خطة إدارته الرامية إلى «الفوز في سباق الجيل الخامس» الأسبوع الماضي، تجاهل كون الولايات المتحدة تبني شبكتها باستخدام تكنولوجيا أقل من تلك التي ستستخدمها بقية دول العالم. ويبدو الأمر مثل استخدام نظام شريط الكاسيت في عالم الفيديو!
ورغم ذلك، قال ترامب، في إشارة إلى الدور المهم لتكنولوجيا الجيل الخامس في الازدهار الاقتصادي والأمن القومي للولايات المتحدة: «لا يمكننا السماح لأية دولة أخرى بالتفوق على الولايات المتحدة في هذا القطاع المستقبلي القوي».
بيد أن الخطة التي تبناها ترامب تُشكل رفضاً لشبكة جيل خامس تديرها الحكومة. وقد أعلنت الإدارة عن مساعدات بقيمة 20 مليار دولار للشركات من أجل مدّ أسلاك الألياف الضوئية في أنحاء البلاد، إضافة إلى أكبر مزاد لترددات «الطيف اللاسلكي» على الإطلاق. وتفاخر ترامب بأنه «بحلول العام المقبل، ستكون الولايات المتحدة في طريقها لامتلاك ترددات طيف الجيل الخامس أكثر من أية دولة أخرى في العالم».
وتتضمن خطة ترامب قيام الولايات المتحدة ببناء بنية تحتية تعتمد على موجات راديو ميلليمترية عالية تُعرف باسم «موجات إم إم» (تتراوح بين 24 و300 جيجاهيرتز)، وهي موجات منخفضة في نطاقها وقدراتها على النفاذ مقارنة بموجات «ما دون 6 جيجاهيرتز» التي تستخدمها معظم الدول الأخرى، وخصوصاً الصين، في شبكات الجيل الخامس.
ومثلما أوضح لي أحد المسؤولين في الإدارة الأميركية، فـ«إننا سنفوز في سباق لا يخوضه غيرنا لبناء نظام لشبكات الجيل الخامس لن يستخدمه أحد آخر».
ويمثل إعلان ترامب انتصاراً سياسياً كبيراً لشركتي الاتصالات اللاسلكية «إيه تي آند تي» و«فيرزون» ومسؤولين في البيت الأبيض، ومن بينهم مدير المجلس الاقتصادي الوطني «لاري كودلو» ورئيس لجنة الاتصالات الفيدرالية «أجيت باي» وآخرين يؤيدون هذا المسار السريع، لأنه في الوقت الراهن، تحتفظ وزارة الدفاع الأميركية لنفسها بحق الاستخدام الحصري لموجات «ما دون 6 جيجاهيرتز»، ووضع آلية لمشاركتها سيتطلب إجراءات معقدة ومكلفة.
والمفارقة أن مدير حملة إعادة انتخاب الرئيس ترامب، «براد باركسيل»، وحليف ترامب، «نيوت جينجريتش»، مؤيدان قويان لاستخدام الموجات التي تستخدمها وزارة الدفاع، وينكران أية مصلحة مالية لهما في الأمر.
وقال «جينجريتش» أمام لجنة «الخطر الداهم: الصين»، في العاشر من أبريل الجاري: «إنني أخوض منذ أربعة أشهر معركة شد وجذب في البيت الأبيض ووزارة الدفاع، لأنه من أجل استخدام شبكات الجيل الخامس في أميركا بفاعلية، لابد من الحصول على الموجات التي تستخدمها وزارة الدفاع».
لكن الاعتماد على «موجات أم أم»، سيتطلب بناء أبراج خلوية كثيرة ومتقاربة لشبكات الجيل الخامس. ورغم أن ذلك يعني مزيداً من الوظائف، فإن الخدمة ستكون سيئة بالنسبة للمستهلكين، خصوصاً في المناطق الريفية. وإلى ذلك، لن تتمكن الشركات الأميركية التي تبني هذا النظام الداخلي من المنافسة في الأسواق الدولية التي تعمل وفقاً لنموذج «ما دون 6 جيجا هيرتز».
ويعني ذلك أيضاً أن الشركات الأجنبية، لاسيما الصينية، ستتمكن من الهيمنة على قطاع أعمال شبكات الجيل الخامس عالمياً. وسيسمح ذلك لدول أخرى بوضع المعايير الدولية، وهو ما سيحول الولايات المتحدة إلى جزيرة تقدم خدمات سيئة من شبكات الجيل الخامس، محاطة ببحر من التكنولوجيا الجيدة!

يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفيس»