«العراق الذي نتطلع إليه ونريده، هو العراق العربي الخالص، العراق القوي، الآمن والمستقر والمزدهر، العراق الديمقراطي». في هذه السطور التي تضمنتها كلمة رئيس البرلمان الكويتي، مرزوق الغانم، في مؤتمر اتحاد البرلمانيين العرب في دورته الـ13 التي انعقدت السبت الماضي، في محافظة أربيل شمالي العراق، أجملت مضامين الخِطب التي تلت، بل شكلت عاملاً مشتركاً أوردته بقية الوفود في كلماتها. سطور لامست الكثير من نوايا الحضور وتطلعاتهم إلى عراق المستقبل، الناهض من قلب الرماد، بعدما قضى على الإرهاب بشجاعة، وأنهى أحلام تنظيم (داعش) ربما إلى الأبد.
غير أن المطلوب من العراق في طريقه التنموي غير القصير، هو كثير، أقله القضاء على الفساد المالي والإداري. وهذه المهمة على صعوبتها، واقترابها من المستحيل، في مخيال العامة من العراقيين، إن تحققت، فستُخرج العراق من قائمة الدول العشر الأكثر فساداً في العالم، ليستعيد بعدها عافيته شيئاً فشيئاً وينخرط في خطط تنموية جادة وحقيقية، ليس فيها، للمحاصصة السياسية الطائفية، نصيب أو تحكّم. ويعود بعدها إلى مكانه الحقيقي في الحضن العربي. هذا ما نريده للعراق في مسيرته التي ستبدأ بعد قليل من الوقت، وبدفع عربي جاد من الدول العربية، وبالخصوص، دول الخليج العربية، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، بصفتها إقليم قاعدة ودولة وازنة على المسرح العربي - الإسلامي، وكذا المسرح العالمي، برهنت على ذلك الاتفاقات التي جرى التوقيع عليها في الرياض، أثناء زيارة رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي، لها، يوم الأربعاء الماضي، وهي اتفاقات تغطي مجالات عدّة من بينها الاستثمار في مجال الطاقة.
ما حدث للعراق من قبل محيطه العربي، ليس قليلاً، وعلينا الحرص على ألاّ يتكرر مستقبلاً، فنتيجة لأخطاء استراتيجية ارتكبها بعضنا نحن العرب في التعامل معه بعد سقوط بغداد عام 2003م، حصل هنالك فراغ سياسي دام لوقت طويل، مما دفع إيران إلى استغلاله واستثماره فيما بعد لتحقيق أهداف عدّة، وتحقق لها ما أرادته، فسرحت ومرحت في العراق عرضاً وطولاً، وتعاملت معه كطرف مهزوم، عليه القبول بما يُملى عليه في إطار انتقامي لا يعرف الرحمة ولا قيم الجوار، فعمى البصيرة جعلها لا تفصل بين الخلافات السياسية السابقة - ما قبل عام 2003م - وبين رغبتها في الانتقام لهزيمتها، وتصدير ثورتها إلى العراق لتنطلق منه إلى دول عربية أخرى. لقد تحقق لإيران ما لم يكن ممكناً أن يتحقق فيما مضى من التاريخ، لتتخلص من طعم المرارة على إثر هزيمتها المدوية أمام الجيش العراقي الذي ذهبت ريحه بعد الاحتلال الأميركي لأرض الرافدين. إن هذه «الهبة» العربية التي شكلت الرياض منطلقها، في الانفتاح على العراق وشعبه تثلج صدور كل العرب الشرفاء الذين يعلمون جيداً، أن نهوضهم من كبواتهم الطارئة، وما أكثرها، إنما تكمن في تفاهمهم وتقاربهم واتفاقهم وتكاملهم. ويبقى سؤال: هل سيتم البناء على هذه الانطلاقة الخليجية بالانفتاح على العراق، ليجري تعميمها على دول عربية أخرى منتظرة؟.. لا يسعنا إلاّ الدعاء.