بدأت التطورات الميدانية بالتسارع على الساحة الليبية منذ الرابع من أبريل الجاري، حيث أمر المشير خليفة حفتر قواته في شرق ليبيا بالتقدم نحو العاصمة طرابلس، مقرّ حكومة الوفاق الوطني معلناً عملية«طوفان الكرامة»، لتحرير العاصمة طرابلس من الإرهابيين والمتطرفين، ليبدأ حراك دولي يأتي على وقع تطورات ميدانية تشهدها العاصمة الليبية، إذ أعلن البيت الأبيض في بيان أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب أقر بدور قائد الجيش الليبي المشير خليفة حفتر في مكافحة الإرهاب وتأمين موارد ليبيا النفطية، مضيفاً بأن ترامب وحفتر بحثا هاتفيا رؤية مشتركة لانتقال البلاد إلى نظام سياسي ديمقراطي ومستقر. لقد رسم اتصال الرئيس دونالد ترامب شخصياً مع المشير خليفة حفتر، الخطوط العريضة للموقف الأميركي من حفتر، إذ يبدو أن واشنطن قد حسمت موقفها بجانب حفتر، على حساب رئيس الحكومة فايز السراج كسلطة شرعية وحيدة في ليبيا، مجازفة بتهميش دور الأمم المتحدة في ليبيا. كما وعارضت واشنطن وموسكو بتوافق أميركي وروسي نادر في مجلس الأمن مشروع قرار بريطاني يطالب المتحاربين بوقف سريع لإطلاق النار في طرابلس ينتقد هجوم المشير حفتر على العاصمة. أما على الصعيد الأوروبي، ظهر الانقسام واضحا بين الدول الأوروبية تجاه التطورات، ظهر عبر ما يعرف بمعسكري «روما» و«باريس»، ما يعكس تضارب المصالح بين البلدين وتحول الخلاف من الأروقة الدبلوماسية إلى تبادلٍ للاتهامات بين مسؤولي البلدين، فهل تغير المواقف الدولية والإقليمية من مسار الأحداث الميدانية؟ ولمن ستحسم معركة طرابلس؟
لقد أظهرت الساحة الليبية منذ بداية الانتفاضة الليبية على حكم القذافي في فبراير 2011، وما تلاه من تدخل قوات حلف الأطلسي للإطاحة به، أن هناك تبايناً وتشابكاً للمصالح الدولية، وأظهرت تطورات الأحداث المتسارعة انحدار ليبيا لتصبح ساحة جديدة لحرب أهلية وساحة جديدة للميليشيات والمرتزقة التي تتنازع على السلطة والموارد.
ويبلغ عدد الميلشيات المسلحة على الساحة الليبية أكثر من 1600 ميليشيا بعدما كان 18 تشكيلاً عسكريا فقط يوم سقوط العاصمة في أغسطس 2011، ومن ضمن الجماعات التي تتنازع على السلطة والنفوذ ميليشيا «فجر ليبيا» وهي تحالف لميلشيات إسلامية، يربطها البعض بجماعة الإخوان المسلمين (حزب العدالة والبناء)، وضم ميلشيات «درع ليبيا الوسطى» و«غرفة ثوار طرابلس» وكتائب أخرى من مصراته، إضافة إلى تنظيم «داعش ليبيا» الذي أعلن عنه عام 2014 وغيرها من الميليشيات والجماعات المتطرفة والقبلية التي تنتشر على الساحة الليبية.
اليوم وبعد ثماني سنوات على الأزمة الليبية وتعقد المشهد السياسي والتدخلات الدولية، إضافة إلى انعكاسات الأزمة الليبية على قضايا الإرهاب والهجرة إلى أوروبا إضافة إلى الملف الأهم، وهو السيطرة على النفط الليبي يبدو أن الغرب رغم الانقسامات الأوروبية «المصالحية» مقتنع أن مفاتيح السيطرة في ليبيا بيد المشير حفتر، ومقتنع بقدرته على أن يتحول جيشه إلى مشروع لبناء دولة والشروع في مرحلة انتقالية، في مقابل حقيقة اعتماد حكومة السراج على ميليشيات مسلحة، بعضها لا يمتلك توجها سياسياً، وبعضها لديه توجهات قبلية، صحيح أن الدول تدعم الحل السياسي للأزمة الليبية، ولكن التطورات على الأرض تدفع في النهاية لدعم أحد الأطراف، التي تملك حل الأزمة الليبية، وفي الحالة الليبية يمتلك المشير خليفة حفتر مفاتيح اللعبة السياسية والعسكرية لفرض الاستقرار على الساحة الليبية وصولا لإنهاء الفوضى.