يعتبر المرض المعروف بالشلل الرعاش أو «الباركنسون» من الألغاز التي ما زالت تحير الطب الحديث، فعلى الرغم من أن العديد من النظريات والتفسيرات قد طرحت حول عوامل الخطر التي قد تزيد من احتمالات الإصابة، وحول عوامل الوقاية التي قد تقلل بدورها من احتمالات الإصابة، فإن جميع هذه النظريات والتفسيرات لم يثبت أي منها بشكل قطعي أو بأدلة علمية ثابتة، ولذا يظل الشلل الرعاش من الأمراض التي لا علاج لها، والتي عجز الأطباء عن تفسير سببها.
هذا الوضع ربما يُكتب له أن يتغير بشكل جذري عن قريب، على حسب ما تناولته وسائل الإعلام العالمية بداية الأسبوع الجاري. هذا التغير المؤمل سيرتكز على دراسة علمية قام من خلالها مجموعة من علماء مستشفى جامعة كندية بمقاطعة أونتاريو (Western University)، بزراعة محفز أو منشط كهربائي في العمود الفقري للمرضى، ليكتشفوا أن المرضى المصابين والمقعدين عن الحركة، استعادوا قدرتهم مرة أخرى على المشي، بل إنه حتى بعد إطفاء المحفز الكهربائي ووقفه عن العمل، احتفظ المرضى بقدرتهم المستعادة.
والشلل الرعاش مرض عصبي تحللي أو انحلالي، تتدهور حالة المصابين به بمرور الوقت، ويصيب حالياً سبعة ملايين شخص حول العالم، منهم مليون في الولايات المتحدة وحدها، مما يضعه في المرتبة الثانية على قائمة الأمراض العصبية التحللية، أو الانحلالية، الأكثر انتشاراً، حيث لا يسبقه على هذه القائمة إلا مرض «الزهايمر» فقط، الذي يحتل المرتبة الأولى على صعيد مدى الانتشار.
وتبدأ أعراض هذا المرض غالباً لدى كبار السن، وخصوصاً من تخطوا العقد السادس من العمر، وإنْ كانت أحياناً ما تبدأ في عقد العشرينيات، أو العقود اللاحقة. وتظهر هذه الأعراض بشكل تدريجي، على مدى فترة زمنية طويلة، وتتمثل في هزة أو رعشة في الأطراف، وفي بقية أجزاء الجسم، وتصلب في العضلات، وبطء في الحركة، وصعوبة في المشي. وأحياناً ما تظهر تبعات المرض على السلوك وعلى طريقة التفكير، ليصاب المريض بالعته التام في المراحل المتقدمة، بالإضافة إلى الاكتئاب والقلق المزمنين في ثلث الحالات.
ومن الأعراض الغريبة التي تميز هذا المرض -وربما مرد وصفه بالشلل- هو تزايد صعوبة المشي مع مرور الوقت وتدهور الحالة، وخصوصاً إصابة المرضى بحالة من (التجمد اللحظي)، أو الشلل المؤقت أثناء مشيهم، وبالتالي فقدانهم لتوازنهم، والسقوط على الأرض، بما يتبع ذلك من إصابات خطيرة وكسور في العظام.
ويعتقد العلماء الكنديون القائمون على الدراسة سابقة الذكر، أن العملية الفسيولوجية للمشي والحركة، والتي تتضمن إرسال المخ تعليمات في شكل إشارات عصبية للساقين، للتحرك بنمط، ومدى معين، ثم تلقي إشارة مرتجعة من الساقين بأن التعليمات نفذت والحركة تمت، حتى يتسنى إرسال التعليمات اللاحقة، لتستمر الحركة والمشي، تختل هذه العملية في مرضى الشلل الرعاش، ويفقد المخ التواصل المباشر والتواصل الارتجاعي مع الساقين، ليشل المريض لحظياً، ويفقد توازنه ويسقط.
وما قام به هؤلاء العلماء، هو زراعة (مقوي إشارة) في منتصف الطريق بين المخ والساقين، أي العمود الفقري، وهو ما أدى ليس فقط لتوصيل الإشارة من المخ إلى الساقين، بل –وربما الأهم في الفكر الجديد- توصيل الإشارة المرتجعة من الساقين إلى المخ، بل حتى إعادة تدريب هذه الإشارة على استخدام طرق وموصلات عصبية جديدة للوصول إلى المخ، وهو ما يفسر أنه بعد استخدام الجهاز لفترة، ثم إيقافه عن العمل، ظل المرضى محتفظين بقدرتهم على المشي، بعد أن كانوا فقدوها لسنوات. مثل هذه النتيجة غير المتوقعة، فاقت أكثر أحلام العلماء جنوناً، على حسب تعبيرهم.
وخصوصا في ظل حقيقة أن حتى يومنا هذا، أو بالأحرى قبل نشر نتائج هذه الدراسة، كانت لا تعلق آمالا كبيرة على إيجاد علاج ناجع للشلل الرعاش في المستقبل القريب، على الرغم من تعدد الأبحاث الجارية في هذا المجال، سواء تلك المعتمدة على الهندسة الوراثية والعلاج بالجينات، أو على الخلايا الجذعية أو خلايا المنشأ، أو تلك التي تحاول الوقاية من الإصابة من الأساس باستخدام ما يعرف بالمركبات والمواد الحامية أو الواقية للجهاز العصبي والأعصاب.
وجدير بالذكر أن الملاكم الأميركي الشهير، محمد علي كلاي، كانت أعراض الإصابة بالشلل الرعاش قد بدأت في الظهور عليه وهو في سن الثامنة والثلاثين، ولازمه المرض مع تدهور تدريجي في حالته إلى حين وفاته عام 2016، عن عمر يناهز الرابعة والسبعين، وهو ما يعني أنه قضى قرابة نصف حياته مصاباً بالشلل الرعاش.
*كاتب متخصص في الشؤون العلمية والطبية