بالإضافة إلى الاهتمام الخليجي بتنمية العلاقات مع الصين والهند، إلى جانب العلاقات التقليدية مع الغرب، فإن التعاون مع روسيا الاتحادية أخذ طابعاً استراتيجيا عميقاً في الآونة الأخيرة، وهو توجه يعبر عن الفهم الصحيح لطبيعة التغيرات الدولية، ويمنح دول مجلس التعاون الكثير من المرونة في علاقاتها مع مختلف الدول والتكتلات.
والحال، فان التعاون والتنسيق مع روسيا لهما طابع خاص ومتميز يختلف عن علاقاتها مع بقية البلدان، حيث تشترك دول المجلس وروسيا بالكثير من السمات المشتركة التي يمكن أن تتحول إلى روابط استراتيجية لمصالح الطرفين، فروسيا أكبر دولة في العالم من ناحية المساحة، تتمتع بثروات هائلة وبفرص استثمارية نادرة، كما أن إمكانية استفادة روسيا من تعاونها مع دول المجلس لا يضاهيها أي شكل من أشكال تعاونها مع أي دولة أخرى في الشرق الأوسط.
ولنبدأ بأهم هذه الميزات التي تجمع البلدين، فالتعاون والتنسيق في مجال الطاقة، وبالأخص النفط باعتبار الجانبين من أكبر منتجي النفط يتيح لهما حماية مصالحهما المشتركة، وهو ما انعكس بالفعل على أسعار النفط في الأشهر الماضية بعد التنسيق السعودي الروسي بدعم إماراتي – كويتي، والذي رفع من الأسعار إلى معدلات عادلة ومقبولة بصورة عامة، حيث يمكن لمثل هذا التنسيق أن يساهم في استقرار الأسواق، ويعود بالمنفعة على اقتصاديات الطرفين، وذلك بالإضافة إلى الاستفادة من خبرة روسيا في مجال الطاقة النووية والتنقيب عن النفط والغاز، حيث أعلن وزير الصناعة والتجارة الروسي «دينيس مانتزروف» أن شركات «روس نفط» و«غازبروم» و«لوك أويل» تجري مباحثات مع البحرين حول جملة من المشاريع في قطاعي النفط والغاز.
الجانب الآخر المميز للتعاون الاستراتيجي الروسي الخليجي يتعلق بعلوم الفضاء، والذي توليه الإمارات والسعودية والبحرين أهمية خاصة لما له من آفاق مستقبلية، حيث تحقق تقدماً ملحوظاً في هذا الجانب، إذ من المقرر أن يشارك أول رائد فضاء إماراتي، وهو هزاع المنصوري في رحلة فضائية روسية في شهر سبتمبر المقبل، أما رئيس وكالة الفضاء الروسية الفيدرالية «دميتري روجوزين» فيؤكد «وجود مشاريع استراتيجية في مجال الفضاء مع الإمارات والسعودية والبحرين»، وهو ما أشار إليه أيضاً الأمير سلطان بن سلمان الذي نوه بوجود تعاون مع روسيا لتدريب رواد فضاء سعوديين.
ثالث أوجه التعاون المميزة بين الجانبين تختص بتوجهات كل من الإمارات والسعودية لتوطين الصناعات العسكرية، مما يتيح الاستفادة من التقنيات العسكرية الروسية المتطورة لتوطين صناعة السلاح المهمة، حيث بدأت بعض أشكال التعاون في هذا المجال، إذ كشف وزير الخارجية الروسي «سيرجي لافروف» عن تنفيذ الشركات الروسية والعربية نحو 400 مشروع بقيمة 40 مليار دولار، يمول 25 منها من قبل مصارف روسية، حيث تستحوذ الدول الخليجية على نسبة مهمة من هذه المشاريع.
رابعاً، تتمتع دول المجلس ببنى تجارية متطورة للغاية، في حين لدى روسيا سلع صناعية وزراعية مهمة يمكن أن تجد لها مراكز تسويق خليجية، فروسيا أكبر منتج للقمح في العالم، حيث وقعت البحرين الشهر الجاري اتفاقية مع روسيا لتحويل البحرين إلى مركز لتخزين وتسويق القمح الروسي، إذ ربما يشمل ذلك منتجات زراعية وصناعية أخرى في المستقبل.
وبالإضافة إلى الجوانب الاقتصادية المهمة التي تميز التعاون الخليجي الروسي، هناك جوانب سياسية وعسكرية واستراتيجية تجمع الجانبين، فالمصالح السياسية على سبيل المثال اقتربت وتداخلت بصورة عميقة في السنوات الأخيرة، بحث أضحى التنسيق بين روسيا الاتحادية وكل من الإمارات والسعودية والبحرين يحدد مسار الأوضاع في العديد من المناطق الساخنة في المنطقة، وبالأخص في سوريا وليبيا واليمن، حيث يعتبر ذلك نتيجة طبيعية لترابط وتشابك المصالح الاقتصادية والتجارية بين الطرفين، والتي تمتد جذورها إلى عمق التاريخ، فها هو شاعر روسيا الكبير «الكسندر بوشكين» الذي عاش في بداية القرن التاسع عشر تضم متعلقاته ما يشير إلى محاولاته تعلم اللغة العربية، أما في القرن الحالي، فإن المميزات التي أشرنا إليها تتيح تحقيق مصالح وإنجازات مشتركة كبيرة لدول الخليج العربي ولروسيا الاتحادية على حد سواء، وهو ما سيساهم في الاستقرار والأمن الدوليين.
*مستشار وخبير اقتصادي