ما يجري اليوم في العالم العربي يتطلب انتباهاً خاصاً من أهل القرار والرأي في أغلب بلدانه، خصوصاً ما يحدث في دول مثل سوريا والعراق وليبيا واليمن. هناك أجندات سياسية واقتصادية واستراتيجية، وخرائط يُراد تمريرها لتقسيم وتفتيت المنطقة العربية، وإعادة رسمها من جديد، بل إن الكثير من الأدبيات السياسية والاستراتيجية الأجنبية حددت بوضوح شكلَ ومعالم هذا التقسيم في مجموعة من المشاريع، والخرائط التي نشرت مفصلةً في بعض الدوريات والمجلات السياسية المتخصصة، والتي لم ينتبه لها الكثيرون، وربما صدقوا مَن يقول: إن هذه الخرائط وهمْ! والواقع أن جزءاً من الخطط والخرائط قد ظهرت بوادره في بعض البلدان العربية. ولعل الجزء الأخطر في كل هذه الخطط هو محاولة إدخال المنطقة إلى فخ الفتنة الطائفية والعرقية والفوضى الدموية.
وحول هذه التدخلات الأجنبية في العالم العربي، يقول الدكتور حسن حنفي: «إن القوى الكبرى تعمل لإعادة صياغة خرائط العالم، وذلك على حساب مصالح الشعوب وأمنها. والوثائق الفرنسية والإيطالية توضح أن السبب وراء تدخل الرئيس الفرنسي السابق ساركوزي، ورئيس وزراء بريطانيا السابق كاميرون، بدعم وتحريض رئيس وزراء بريطانيا الأسبق بلير، والفيلسوف الفرنسي هنري ليفي.. في ليبيا عام 2011، إنما هو الانتقام من الرئيس الليبي السابق معمر القذافي، لأنه حاول التصدي لبعض تدخلاتهم في القارة الأفريقية، ورصد عشرات الأطنان من الذهب لتغطية الدينار الأفريقي، ليكون بديلاً لليورو الأوروبي والدولار الأميركي، سعياً لتحقيق الاستقلال الاقتصادي». وينقل حنفي عن المؤرخ الأميركي صمويل هنيتغتون القول في كتابه «صراع الحضارات»، إنه خلال الفترة بين عامي 1980 و1995 نفذت الولايات المتحدة 17 عملية عسكرية في العالم العربي والإسلامي، وهو رقم لم يسجله التاريخ العسكري للولايات المتحدة ضد أي حضارة أخرى.
ويذكر البروفيسور ماكس مانوارينج، خبير الاستراتيجيات العسكرية في معهد الدراسات بكلية الحرب الأميركية، أن أسلوب الحرب التقليدية صار قديماً، والجديد هو الجيل الرابع من الحرب، والذي يستهدف «الإنهاك والتآكل البطيء» للدول، وذلك عبر عمليات لزعزعة الاستقرار ينفذها مواطنون من البلد ذاته بغية تحويله إلى «دولة فاشلة»، وعندئذ يمكن التحكم في هذه الدولة. ويقول مانوارينج: إن هذه العملية يتم تنفيذها بخطوات بطيئة وهادئة، وبالاعتماد على مواطني الدول المستهدفة.
وقد حدد المبعوث الأميركي للسلام جيسون غرينبلات ملامح الفترة القادمة للمنطقة بقوله: «إن نظام خرائط دولي خاص بالإدارة الأميركية نشر خريطة جديدة لإسرائيل تضم هضبة الجولان السورية».
وعن سرّ الدعم المضاد الذي تبذله الولايات المتحدة في الدفاع عن إسرائيل، يقول أحد الساسة الأميركيين: إنه يكمن في منظمة «إيباك»، مجمع اللوبي المؤيد لإسرائيل، والذي ينفق ملايين الدولارات سنوياً في الضغط على المشرعين والمسؤولين الفيدراليين الأميركيين، بغية دفع الإدارة الأميركية إلى تبنى سياسة موالية لإسرائيل.
فهل حقاً يدرك قادة الرأي وصناع القرار في الدول العربية هذا التهديد الوجودي الذي تتعرض له بلدانهم والمنطقة؟