يبدو أن الحركة الصهيونية مصرة على صبغ دولتها (إسرائيل) بطابع عنفي جوهره استخدام القوة. فإسرائيل «المؤتمنة» على الفلسفة الصهيونية تجافي «الغير»، بل إن عنفها يتزايد ضد «الآخر»، وقد بات هذا العنف مقروناً بإسكات أي صوت معارض داخلياً وخارجياً. وفي فلسطين تحديداً، تتجسد «إسرائيل» بطابع احتلالي إحلالي استعماري استيطاني، لكنها مؤخراً أجازت لنفسها تقديم التسهيلات الممكنة لتشكيلات الإجرام القومي الديني المتطرف ضد الفلسطينيين، فأضحت حيوات هؤلاء الآخرين وأراضيهم ومقدساتهم وأملاكهم مستباحةً بالكامل. ففي نظر وممارسات شرطة الاحتلال: المستوطنون اليهود ليسوا أبداً مشتبهاً بهم، رغم أنهم يتصرفون غالباً كمليشيات مسلحة تفعل ما يحلو لها. كما أن القضاء الإسرائيلي، بدلاً من تشديد الرقابة عليهم وتفكيكهم، نجده يتقبل ثقافة خروج جنود الاحتلال المستوطنين على «القانون»، إمعاناً في سحق الفلسطينيين.
ومع استمرار الكفاح الفلسطيني، تعج الأدبيات الإسرائيلية بالعديد من التحليلات والمقالات التي تتحدث عن غرابة ظاهرة استمرار عمليات المقاومة الفلسطينية، بأشكالها المختلفة، سواء في الضفة الغربية أو في قطاع غزة. ويأتي هذا الدفق المقاوم وسط ظروف محيطة في غاية التردي. وبعبارات تلخيصية للكاتب الإسرائيلي ميخال ملشتاين، فإن «الفلسطينيين يجدون أنفسهم في السنوات الأخيرة في أزمة شديدة ومتعددة الأبعاد، فالعملية السياسية غارقة في أزمة عميقة، وحلم الدولتين يبتعد ويتلاشى تدريجياً، والانقسام الداخلي بين الضفة وغزة يتعمق، والشعب الفلسطيني يشعر بعدم الثقة وأحياناً بالاغتراب تجاه قيادته. وفي الساحة الدولية الموضوع الفلسطيني يفقد مكانته الرئيسية، ومع الإدارة الأميركية الحالية حدث شرخ غير مسبوق، وإذا لم يكن هذا كافياً، ففي السنوات الأخيرة حدثت هزة في الحقائق التي على أساسها أدار الفلسطينيون الصراع، حيث إن جزءاً من العالم العربي يشجع تطبيعاً محسوباً مع إسرائيل، حتى من دون تسوية بينها وبين الفلسطينيين». ومع ذلك، ورغم كل المحبطات، يقول الكاتب الإسرائيلي نداف شرغاي: «المقاومة الفلسطينية في الضفة وغزة بأشكالها المختلفة، لا تحتاج إلى تبريرات وأسباب للقيام بالمزيد من العمليات. يكفي النظر إلى قائمة العمليات الـ480 الكبيرة التي تم إحباطها من قبل (الشاباك) خلال عام 2018، وإلى قائمة الـ55 عملية الكبيرة التي تم تنفيذها فعلاً.. لكي نستوعب صورة الوضع؛ فمقابل كل عملية مهمة حدثت تم إحباط تسع عمليات مهمة أخرى».
وفي السياق ذاته، تناولت افتتاحية حديثة لصحيفة «هآرتس» مسألة تعاظم «مسيرات العودة» المستمرة منذ أكثر من عام، وكتبت: «الرسالة الأقوى للمتظاهرين هي أن الفلسطينيين، وعلى رأسهم الشبان، لا يتكيفون مع حبسهم في الجيب المحاصر. لا يسلّمون بحياة عديمة الجدوى والمستقبل، مع قطعهم عن العالم وعن أبناء شعبهم، ومع معدلات البطالة العالية ومستويات الفقر القياسية. فهم، ومنذ سنة، يوجهون إلى إسرائيل والعالم الرسالة القائلة بأنهم لن يسمحوا بنسيان أو تناسي قضيتهم».
ومؤخراً، جرى قصف تل أبيب بالصواريخ، الأمر الذي شكّل صدمة للدوائر الأمنية والعسكرية والسياسية الإسرائيلية التي لم تكن تتوقع أن يجري استهداف تل أبيب من «القطاع». وأكد بيان جيش الاحتلال ذلك بقوله: «ما حدث هو أمر خطير، فقد كانت ضربة مباشرة على مبنى شمال تل أبيب». بل إن بعض المحللين الإسرائيليين أسموا ما يحدث «حرب استنزاف». وقال الصحفي الإسرائيلي تسفيكا يحزكيلي: «حركة حماس كسرت الحاجز النفسي لإطلاق الصواريخ صوب تل أبيب. لن أشعر بدهشة أو مفاجأة إذا أطلقت الصواريخ القادمة نحو مطار بن غوريون». أما وزير «الدفاع» السابق أفيغدور ليبرمان فصرح قائلاً: «إن استهداف قلب إسرائيل بالصواريخ يشكل انهياراً في سياسة الردع الإسرائيلية. لقد حذّرت من مثل هذا السيناريو، لكني لم أستطع التأثير على صنّاع القرار».
وكما أن الظروف الموضوعية في القطاع متفجرة، كذلك الحال في الضفة. وفي هذا الخصوص أكد محرر الشؤون العسكرية في صحيفة «معاريف» (تال ليف-رام) قائلاً: «في العام الجاري، قد يشهد الوضع في الضفة تغيراً جوهرياً كفيلاً بإشعال الوضع. الوقود تنتشر رائحته في المكان. أحد الأسباب الجوهرية ما طرأ على موازنة السلطة الفلسطينية من اقتطاع بقيمة 55% بفعل الخصومات الإسرائيلية، إضافة إلى وقف المساعدات الأميركية للسلطة الفلسطينية، وتلكؤ بعض الدول العربية في الوفاء بمعوناتها المالية الدورية للفلسطينيين، بجانب التقليص المفاجئ من الدول الأوروبية في المنح المالية التي تقدمها للسلطة الفلسطينية». وختم بالقول: «في حال تصدع الاستقرار الأمني في الضفة، فإن الأضرار على إسرائيل ستكون بليغة وخطيرة، فالعمليات انتقلت فيها من ظاهرة الهجمات الفردية بالسكاكين إلى استخدام الأسلحة النارية».
ونذكر هنا بعض أحدث وأبرز العمليات الفدائية: عملية الشهيد أشرف وليد نعالوه، وعملية الشهيد عمر أبو ليلى، وعملية الشهيد مجد مطير، وعملية الشهيد صالح البرغوثي. كما نشير إلى تقرير «مركز القدس لدراسات الشأن الإسرائيلي والفلسطيني» لعام 2018، والذي ذكر أن هذا العام شهد ارتفاعاً ملحوظاً في عمليات المقاومة بالضفة، إذ بلغت أكثر من (4367) عملية. وقد شهدت الضفة والقدس العديد من العمليات المؤثرة كان أبرزها: (40) عملية إطلاق نار، و(33) عملية طعن ومحاولة طعن، و(15) عملية دهس ومحاولة دهس، و(53) عملية تم فيها إلقاء أو زرع عبوات ناسفة، و(262) عملية إلقاء زجاجات حارقة صوب آليات ومواقع عسكرية واستيطانية».