أثار الإفراج، في 18 أبريل الجاري، عن «التقرير الخاص بالتحقيق في التدخل الروسي في انتخابات 2016 الرئاسية»، والذي أعده المحقق الخاص روبرت إس. مولر وفريقه، ضجة سياسية في واشنطن. وبالنسبة للرئيس دونالد ترامب وأنصاره، فإن التقرير يبرئ الرئيس من أي تآمر مع روسيا للفوز بانتخابات 2016. كما يدّعون عدم إمكانية توجيه أي اتهامات بعرقلة العدالة ضد الرئيس بسبب القواعد القانونية لوزارة العدل. وهذا ما يفسر الفرح الأولي الذي عبّر عنه ترامب في تغريداته الأولى على تويتر حول الموضوع. «لا تواطؤ؛ لا عرقلة». غير أنه في الساعات التالية عندما تم استيعاب النص الكامل للتقرير، أدرك الرئيس أن العديد من مساعديه الرئيسيين تحدثوا مع المحقق الخاص بشكل مطول وأكدوا أن ترامب سعى فعلياً إلى تعطيل التحقيق الرسمي وإنهائه.
الآن وقد قرأت كل الأطراف المعنية التقريرَ المحررَ (مقاطع هامة حُجبت لأسباب أمنية أو لأسباب تتعلق بالخصوصية)، يتضح عدد من الحقائق التي لا تقبل الجدل. فالفقرة الافتتاحية على الصفحة الأولى من التقرير تقول: «إن الحكومة الروسية تدخلت في انتخابات 2016 الرئاسية بطريقة شاملة وممنهجة. والأدلة على عمليات الحكومة الروسية بدأت تطفو على السطح في منتصف 2016».
كل وكالات الاستخبارات الأميركية نقلت هذه الحقيقة إلى الرئيس خلال الأعوام الماضية، لكن ترامب لم يدلِ حتى الآن بأي بيان نهائي يندد بروسيا بسبب هجومها السافر على العملية الانتخابية الأميركية. ذلك أن الافتراض هو أنه حينما يعترف ترامب بحجم التدخل الروسي في انتخابات 2016، فإن ذلك سيُضعف شرعيته كرئيس، وخاصة أنه خسر التصويت الشعبي عبر الولايات المتحدة بـ3 ملايين صوت، وتمكن من الفوز عبر انتزاع انتصارات صغيرة وحاسمة في ولايات مهمة مثل بنسلفانيا وويسكونسن وميشغن، وبالتالي الفوز في المجمع الانتخابي.
التقرير لم يحقق في علاقات ترامب المالية مع روسيا في أيامه حين كان رجل أعمال؛ وبالتالي لم يقل شيئاً بخصوص أي علاقات أو تأثير قد يكون لدى نظام بوتين عليه الرجل. غير أن دعاوى قضائية حالية معروضة على أنظار محاكم فدرالية في ولايتي فرجينيا ونيويورك قد تكشف عن مثل هذه العلاقات. وعلاوة على ذلك، فإن لجان الكونجرس تعمل من أجل الوصول إلى كشوف ترامب الضريبية، وبياناته المالية من محاسبيه، وسجلات مع البنك الألماني «دويتشه بنك» الذي كانت له العديد من المعاملات مع ترامب وبعض أعضاء الأوليغارشية الروسية المالية المتنفذة.
بيد أن أكثر عناصر التقرير إضراراً هي تلك المتعلقة بجهود ترامب الرامية إلى إغلاق التحقيق، أولاً عبر إصداره أوامر بإقالة مدير «مكتب التحقيقات الفدرالي» (الـ«إف بي آي») السابق جيمس كومي في 9 مايو 2017، ثم محاولة تنحية مولر الذي عين بعيد هذا الحدث. ووفق تقارير نشرتها صحيفة «نيويورك تايمز» في 25 يناير 2018، فإن ترامب كان قد أعطى أوامر للمستشار القانوني للبيت الأبيض دون ماكغان، ليقول لوزير العدل بالإنابة آنذاك، رود روزنشتاين، أن يصدر قراراً بإقالة مولر، لكن ماكغان رفض ذلك الأمر من جان ترامب. وعندما واجه ترامب ماكغان بخصوص هذه المسألة، قال ماكغان إن القصة صحيحة تماماً وإنه متمسك بموقفه. ويشير التقرير إلى تفاصيل حول عدد من اللقاءات بين ماكغان وترامب، ومحاولة هذا الأخير إقناع وزير العدل بالإنابة بتغيير قصته، ولكنه كان يرفض ويمتنع. والمثير للسخرية في هذا الخصوص هو أنه بسبب رفضه تنفيذ رغبات ترامب، قد يكون ماكغان أنقذ رئاسة ترامب. ذلك أنه لو أقيل مولر، لكانت الضجة التي ستثار ضد ترامب كبيرة جداً.
القصة الأساسية لمعظم التقرير تُظهر البيت الأبيض وقد أصابه الاختلال، كما تصور أنصار ترامب كأشخاص غير أكفاء وغير فعالين، التقوا مع الروس ولم يجنوا شيئاً من وراء ذلك. وأحد أسباب صعوبة توجيه تهمة عرقلة العدالة لأعضاء رئيسيين في فريق ترامب هو أنهم كثيراً ما كانوا يتصرفون مثل «مجموعة لا تستطيع التعامل بصدق»، وأنهم كانوا أكثر سذاجة وأقل خداعاً في جهودهم الرامية لمساعدة زعيمهم.
إن التداعيات السياسية لتقرير مولر والتحقيقات وجلسات استماع الكونجرس اللاحقة، ستتواصل في الأشهر التالية. لكن تأثير هذا على رئاسة ترامب وعلى فرص إعادة انتخابه، غير واضحة الآن، ويمكن أن يكون ضاراً إلى حد بعيد.