علاقات الهند الاستراتيجية بدولة الإمارات العربية المتحدة تزيد قوة يوماً بعد يوم. وفي لافتة على تزايد نمو هذه العلاقة لتتضمن مجالات أرقى من التعاون، اختارت أبوظبي الهند لتكون «ضيف شرف» الدورة التاسعة والعشرين من معرض أبوظبي الدولي للكتاب. وهذه أكبر مشاركة للهند في مناسبة مثل هذه في العالم العربي كله. ويشارك في هذا المهرجان الثقافي والأدبي وفد هندي قوامه 100 عضو، يضم كتاباً مشهورين وناشرين وأدباء ونقاداً وفنانين وموسيقيين.
ومشاركة الهند ودعوتها باعتبارها ضيف شرف لهذه النسخة من المعرض، يُمثل تجلياً واضحاً للروابط الحضارية والثقافية بين البلديْن اللذيْن شهدا في السنوات القليلة الماضية تعزيز العلاقات بينهما بعمق. وفي معرض الكتاب، يوجد 40 منفذاً للناشرين وموزعي الكتب والفنانين من الهند. والكتب المعروضة تتناول نطاقاً واسعاً يمتد من الفن والثقافة إلى العلوم وتكنولوجيا المعلومات والتكنولوجيا الحديثة، ومن الروايات والدراما إلى الشعر والسير الذاتية. ويشارك أكثر من 1000 ناشر من نحو 50 دولة في هذه المناسبة الثقافية الكبيرة التي تعرض 500 ألف عنوان.
الهند تحظى بمكانة خاصة في معرض أبوظبي الدولي للكتاب، كونها ضيف شرف هذه النسخة، مما يبرز بوضوح العلاقات الثنائية المتنامية بين البلدين. وتنظم الهند جلسات خاصة للأطفال وسرد القصص والأمسيات الشعرية وللأدب الهندي في الخارج، إلى جانب العروض الثقافية لفنانين مشاهير من ولايات الهند المختلفة. وفي نوافذ المعرض يتواجد كتب مؤلفي الهند المشهورين بكل اللغات الإقليمية الهندية تقريباً. ويمثل المعرض فرصة أيضاً لعرض ثراء تنوع الهند الثقافي للزوار. ومن بين الكتاب المشاهير والأدباء الكبار والفنانين البارزين هناك بريتي شينوئي وديباك أوني كيريشنان وراتان سينغ وديويك راميش. وهؤلاء من بين أكبر الشخصيات في الوفد الهندي الذي جاء إلى أبوظبي كي يشارك متحمساً في برامج المعرض. ومشاركة الهند في المعرض تنعكس أيضاً في أنشطة أخرى، فالبرامج الثقافية التي تمثل جزءاً من العمل الموسع الذي تقوم به البعثة الهندية في أبوظبي تقام كل يوم تقريباً.
وهناك تركيز خاص على بطل استقلال الهند والزعيم التاريخي والروحي للبلاد الماهاتما غاندي بمناسبة مرور 150 عاماً على ميلاده هذا العام. ومن ثم، عقدت مناقشات وحوارات وحلقات نقاشية بشأن التعايش السلمي بين أديان الهند المختلفة وعن التعددية في الهند، وعن غاندي ورسالته في اللاعنف، وغاندي والعرب ورسالته في التسامح. وعلاقات القوة الناعمة تنمو أيضاً بشكل واضح بين البلدين. ومن الواضح أنها حصلت على دعم من مهرجان الفن والثقافة والأدب المقام في أبوظبي خلال «عام التسامح» في خضم حالة من الحماس والحيوية.
ومن المهم في هذا السياق الإشارة إلى أن الهيئة الوطنية الهندية للكتاب ترجمت ونشرت نحو 100 كتاب بالعربية خاصة للأطفال، لأنهم يمثلون أجيال المستقبل. وصعدت أبوظبي لتصبح مركزاً عالمياً للأدب في العالم العربي مع تشجيع الأكاديميين والمثقفين على الإبداع. وضمن هذا الإطار تأتي جائزة الشيخ زايد للكتاب، وهي الأكبر في العالم العربي كله، كونها تشجع المفكرين والكتاب والأكاديميين ودور النشر والكتاب الشباب والمترجمين والمثقفين عموماً على الإنتاج، وتركز الجائزة على تكريمهم والاحتفاء بأعمالهم. وهذا يوضح بجلاء تصميم إرادة قيادة الإمارات ليس فقط على نشر المعرفة والتعليم وسط الشباب، لكن أيضاً السماح للشعوب أن تتعرف على ثقافات الأمم والقارات الأخرى وتتفاعل معها. والجدير بالذكر أيضاً أن جائزة الشيخ زايد للكتاب في دورتها الأولى عام 2007، حصل عليها في قسم الفنون والدراسات النقدية الكاتب المصري ثروت عكاشة عن كتابه «الفن الهندي».
وعلى صعيد منفصل، تلعب دائرة «الثقافة والسياحة في أبوظبي» دوراً محورياً في التواصل الفكري بين البلدين. فقد نشرت إدارة البحوث والإصدارات التابعة للدائرة كتاباً مترجماً إلى اللغة الهندية عن مؤسس الإمارات المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه. ومشروع «كلمة» للترجمة يصعدُ نجمُه ليمثل نموذجاً عصرياً لـ«بيت الحكمة» الذي أسسه الخليفة العباسي هارون الرشيد، وقام بترجمة أعمال فكرية من ثقافات أخرى في ذاك العصر البعيد. فقد ترجم مشروع «كلمة» ونشر مئات الكتب لمؤلفين بارزين في موضوعات حيوية تمتد من الفلسفة إلى التكنولوجيا الحديثة والعلوم والثقافة من مختلف لغات العالم إلى العربية. ويمكن وصف هذا باعتباره ذخيرة أدبية وثقافية قيمة.
وترجم المشروع ونشر أعمال مؤلفين هنود مشهورين وفائزين بجائزة نوبل وفلاسفة وشعراء. وهناك عدد آخر من الكتب في سبيله إلى الترجمة والنشر، مما يوضح حرص القيادة الإماراتية على توسيع آفاق معرفة المواطنين العرب من خلال التلاقي والتفاعل مع الآداب والثقافات الأخرى، كما أن حضور حشود كبيرة، وما أبداه الزوار من اهتمام بهذا المهرجان الثقافي والأدبي يكشف بجلاء عن اهتمام المواطنين بالفنون والآداب والحرف الهندية وأيضاً بالتكنولوجيا الحديثة في الهند. ولا شك في أن العلاقات الهندية مع الإمارات العربية المتحدة تزدهر إلى آفاق عالية وتزدهر دوماً في كل المجالات تقريباً. فقد أكد صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، على الآفاق الرحبة للعلاقات بين البلدين.
*رئيس مركز الدراسات الإسلامية- نيودلهي