فصل غريب في سباق 2020 الرئاسي انتهى الاثنين الماضي، عندما قام السيناتور بيرني ساندرز أخيراً، وبعد أشهر من التلكؤ، بإظهار كشوفه الضريبية. والشيء الغريب هو أن الكشوف تبدو عادية وغير مؤذية. لذلك يثور التساؤل: ما سر هذه الضجة؟ الجواب يبدو أنه يكمن في أن ساندرز حصل على كثير من المال بفضل حقوق تأليف كتبه بعد حملة 2016 الانتخابية، وأنه كان يخشى أن يؤدي الكشف عن ذلك إلى عناوين في وسائل الإعلام تسخر منه كونه بات الآن جزءاً من الـ1%. وبالفعل، فإن بعض الصحفيين حاولوا إثارة ضجة حول دخله.
غير أن هذه الانتقادات غبية للغاية؛ فالساسة الذين يدعمون سياسات من شأنها زيادة ضرائبهم، وتقوية شبكة أمان اجتماعي من المستبعد أن يحتاجوا إليها، ليسوا منافقين، بل سياسيون يُظهرون قيمهم وفضائلهم الوطنية. لكن عدم فهم معنى النفاق ليس الشكلَ الوحيد لانحراف خطابنا حول السياسة وانعدام المساواة عن السكة. فمصطلح «الـ1%» أصبح كذلك مشكلة تحجب طبيعة الطبقة في أميركا القرن الـ21 وتغطي عليها.
التركيز على الـ1% الأعلى من توزيع الدخل كان الهدف منه في الأصل تصحيح فكرة مريحة وخاطئة معاً ترى أن تفاقم انعدام المساواة يتعلق في الغالب بازدياد فوائد التعليم وثماره. والحال أنه على مدى العقود القليلة الماضية لم ير خريج الجامعة العادي سوى مكاسب متواضعة فيما كانت الأموال الكبيرة تذهب إلى مجموعة صغيرة. والتحدث عن «الـ1%» كان يرمز للاعتراف بهذا الواقع.
لكن وضع ساندرز والأخوين كوش ضمن الطبقة نفسها، هو بالطبع فهم خاطئ للأشياء بطريقة مختلفة. صحيح أن ثمة فرقاً كبيراً بين أن تكون غنياً بما يكفي لكي تكون مطمئناً للمستقبل، وأن تعيش مع انعدام الأمان المالي الذي يؤرق كثيراً من الأميركيين الذين يعتبرون أنفسهم طبقة وسطى. ووفق «الاحتياطي الفدرالي»، فإن 40% من البالغين الأميركيين لا يملكون المال لإنفاق 400 دولار في حالة طوارئ، كما أن عدداً أكبر منهم يتعرضون لضغوط حادة بسبب تكاليف العلاج الطبي.
وحتى الآن، يبدو أن معظم الأميركيين لا يدركون مدى غنى أغنياء اليوم. ففي إحدى الفعاليات مؤخراً، قوبلت زميلتي جانيت غورنيك من جامعة «سيتي يونيفرستي أوف نيويورك» بعدم التصديق حينما ذكرت أن مديري صناديق التحوط الـ25 الأوائل يجنون في المتوسط 850 مليون دولار سنوياً.
لكن، لماذا يجدر بنا أن نهتم بالأغنياء جداً؟ الأمر لا يتعلق بالحسد، بل بالأوليغارشية. فمع الثروة الكبيرة تأتي السلطة الكبيرة وانفصال عن هموم المواطنين العاديين ومشاكلهم. ثم إن ما يريده «الأغنياء جداً» كثيراً ما يحصلون عليه، غير أن ما يريدونه كثيراً ما يكون ضاراً ببقية البلاد. صحيح أن ثمة بعض المليارديرات الذين يفكرون في البسطاء من الناس، وأن ثمة بعض الليبراليين الأثرياء. لكن هؤلاء ليسوا نماذج ممثلة تعكس طبقتهم.
إن الأغنياء جداً لا يحتاجون إلى «ميدي كير» أو الضمان الاجتماعي، ولا يستخدمون التعليم العام أو وسائل النقل العمومية، بل قد لا يعولون على الطرق العامة (فهناك مروحيات على كل حال). وإلى ذلك، فهم لا يريدون دفع ضرائب.
وخلافاً للاعتقاد الشعبي، يستخدم المليارديرات سلطتهم السياسية في الغالب (وإنْ بشكل سري غالباً) للدفاع عن خفض ضرائب من يوجدون في الأعلى، وشبكة سلامة أضعف، ورفع للقيود. كما أن الدعم المالي من «الأغنياء جداً» هو أهمُّ قوةٍ تدعم سياسةَ اليمين المتشدد التي باتت مسيطرة على الحزب الجمهوري.
ولهذا، ينبغي تحديد أي فئة نقصدها عندما نتحدث عن «الأغنياء جداً». إنهم ليسوا الأطباء، أو المحامين، أو المؤلفين، الذين ينجح بعضهم في الوصول إلى الـ«1 في المئة». بل طبقة اجتماعية حصرية أصغر بكثير.
غير أنه لا شيء من ذلك يعني أن الأغنياء فقط ينبغي أن يُعفوا من عبء إنشاء مجتمع أكثر كرامة. فـ«قانون الرعاية الرخيصة» مُوِّل جزئياً بوساطة الضرائب على المداخيل التي تفوق 200 ألف دولار، وبالتالي فالشخص الذي يجني 400 ألف دولار سنوياً دفع بعض الكلفة.
ولنذكر أن الأغنياء ينبغي أن يدفعوا ضرائب أكثر، وأن الأغنياء جداً مختلفون عن ساندرز. والحاصل أن الانقسام الطبقي الذي يُعد أصل استقطابنا السياسي أكثر تبايناً بكثير مما يدركه معظم الناس.

*كاتب أميركي حائز على جائزة نوبل في الاقتصاد
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»
https://www.nytimes.com/2019/04/18/opinion/bernie-sanders-tax.html