لمَ يقفز بعضهم في مكانه كأنّ عقرباً لدغته إذا سمع بـ«التنوير»؟ هل يغيظهم أنّ التنوير الذي يقوده مفكرون أحرار، وباحثون جادون وشجعان، يدعو إلى إزالة ما علق بالنصوص المقدّسة من آراء وأحداث حرّفتها عن حقيقتها؟
هل التنوير يغيظهم لأنه لا يتساهل مع قتل المرأة بدافع الشرف؟ أم لأنه يدعو إلى وقف عمليات ختان الإناث؟ أم لأنه يرفض فكرة ضرب الزوجة؟ أم لأنه يتعاطف مع التي تفاجأ بزوجها وقد حوّل مؤسسة الزواج التي تمتلكها معه إلى شركة فيها امرأة ثانية وثالثة ورابعة؟ أم لأنه لا يمانع في سفر المرأة من دون محرم في ظلّ الأمان الذي يتوفر في وسائل النقل الحديثة؟ أم لأنه لا يرى حرجاً في الاختلاط الطبيعي بين الجنسين؟ أم لأنه لا يقصر عمل المرأة على تدريس الفتيات كمعلمة وعلاج النساء كطبيبة ووضع الأصفاد في أيدي السجينات كسجّانة؟ أم لأنه يرى أنّ لدى النساء الكفاءة التي للرجال لشغل المناصب العليا؟
هل التنوير يغيظهم لأنه يعتبر الدين شأناً شخصياً؟ أم لأنه غير متعطّش لدم من لديه تساؤلات حول ما ورثه من اعتقادات دينية؟ أم لأنه يرفض الوصاية على أسلوب حياة الإنسان ما لم يتعدى على حقوق وحرية غيره؟ أم لأنه يؤكد أنّ القانون هو مرجع العلاقات بين البشر لا الفتاوى؟ أم لأنه يعترف لكافة المواطنين في أي بلد بالتساوي في الحقوق والواجبات والفرص؟
هل التنوير يغيظهم لأنه يحثّ على الاطلاع على تاريخ الشعوب الأخرى وثقافاتها؟ أم لأنه لا يكفّر أمم الأرض ولا يناصبها العداء؟ أم لأنه يدعو إلى قبول المختلِف دينياً؟ أم لأنه يبارك إقامة دور للعبادة لكافة أتباع الأديان من دون تمييز؟ أم لأنه لا يشغل نفسه بمصير غير المسلمين في الآخرة؟ أم لأنه يعتبر التفوّق هو للإنجاز الحضاري والنفع للإنسانية والخدمة للبشرية؟
هل التنوير يغيظهم لأنه يدعو إلى النقاش العلمي حول المسلمات للتمييز بين الصائب منها والخاطئ والنافع منها لزماننا من غير النافع؟ أم لأنه يدعو إلى الإغلاق النهائي لملف جهاد الطلب والسبي والاسترقاق والقتل على المعتقد، لأنها جرائم ضد الإنسانية، وليس إلى تعليق القضية إلى حين تهيئة أسباب القوة والقدرة على شنّ حرب دينية شعواء على العالم؟ أم لأنه يرفض بشكل واضح وصريح الإرهاب بكافة صوره وأشكاله؟ أم لأنه يعتبر أنه لولا القبول الضمني لأفكار المتطرفين، ولولا وجود بيئات حاضنة لهم، لما ظهرت التنظيمات الإرهابية في المجتمعات الإسلامية؟ أم لأنه يؤمن بالدولة الوطنية ويسخر من فكرة إقامة الدولة الإسلامية الكبرى التي لا تغيب عنها الشمس؟
هل التنوير يغيظهم لأنه يفتح النوافذ على تجارب الأمم الأخرى؟ أم لأنه ليس في حالة صدام مع الفن والموسيقى والأدب والثقافة والسينما والبنوك والفنادق والسياحة؟ أم لأن علاقته غير مأزومة بالاحتفالات الوطنية والمهرجانات الثقافية والفعاليات الترفيهية وثقافة الحياة بشكل عام؟
هل التنوير يغيظهم وهو ما كان ليُطرح أساساً لولا فشل كافة المشاريع الأخرى في إنارة العقول، رغم أنها أعطيت فترة تجربة لعقود طويلة؟

*كاتب إماراتي