كان السؤال الذي شغلني لفترة، كأستاذ للدراسات العبرية بجامعة عين شمس، هو: لماذا ضعف مجال الدراسات الإسرائيلية، وقلة عدد الباحثين المصريين الذين يجمعون بين إجادة اللغة العبرية ومعرفة مناهج العلوم السياسية والاجتماعية؟
الإجابة المؤكدة التي كونتها من مراقبة الحالة هي أن «الاسترخاء» المصاحب لمعاهدة السلام في مصر، وهي أهم معقل لهذه الدراسات، خفف الرغبة العامة في دراسة إسرائيل.
هذا في حين أن مراكز الأبحاث الإسرائيلية ما زالت تظهِر اهتماماً كبيراً بدراسة مصر على جميع الأصعدة، من دراسة المجال العسكري، مروراً بالدراسات السياسية، وانتهاءً بالدراسات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية.
لذلك قررت تأسيس منتدى للدراسات الإسرائيلية يقوم بمهمتين: الأولى؛ تكوين أجيال جديدة من الباحثين الذين يجيدون الدراسات العبرية من ناحية، ويجيدون أحد مناهج العلوم اللازمة لدراسة إسرائيل، مثل العلوم السياسية والاجتماعية والاقتصادية.. إلخ. هنا سيطر على ذهني مصطلح توريث الخبرات قاصداً منه إلى دفع جيل الأساتذة الذين كونوا خبرات علمية وميدانية في دراسة إسرائيل إلى نقل علمهم وخبراتهم للأجيال الجديدة، حتى لا يحدث فراغ في هذا المجال يضعِف قدرتنا على اليقظة والمتابعة العميقة للمجتمع الإسرائيلي بكافة جوانبه في المستقبل.
أما المهمة الثانية للمنتدى فهي مرتبطة بالأولى، وهي تنشيط هذه الدراسات وتركيز الأضواء على الاتجاهات المتفاعلة في الساحة الإسرائيلية في الحاضر وفي المستقبل.
من هنا قمت بتنظيم أولى ندوات المنتدى في فترة الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة، وكلفت طلابي في مرحلة الدراسات العليا بقسم اللغة العبرية، وخريجين آخرين من العاملين بالصحف وقنوات التلفزيون، بإعداد الأوراق البحثية للندوة تحت إشرافي العلمي، ودعوت للندوة جمعاً كبيراً من قدامى الباحثين والسياسيين والإعلاميين، ليشهدوا مولد جيل جديد من الباحثين الشبان، الذين تتراوح أعمارهم بين العشرين والثلاثين. وكانت الندوة ناجحة، ومثّلت بشرى للمجتمع البحثي في مصر والعالم العربي. لقد شاركتني في الإعداد للندوة وإدارة جلساتها نخبة غالية من الأكاديميين ومن كبار الضباط المتقاعدين الذين كوّنوا خبرات عميقة في دراسة إسرائيل من خلال مواقعهم الحساسة.
إن هذا أمر يطمئنني إلى أن هذا الجيل، من الباحثات والباحثين الشبان، سيقوم بالمهمة البحثية لمدة خمسين عاماً مقبلة، وأنه سيتبع التقليد الذي أرسيته من خلاله، ويقوم بتكوين جيل تالٍ له يواصل خدمة مقتضيات الأمن القومى لمصر وللأمة العربية.
إن الإرادة التي تبديها القمم العربية في صنع سلام عادل وشامل، والتي تجسدها مبادرة السلام العربية، تقتضى وجود هذه الكوكبة من الباحثين المتعمقين في الشؤون الإسرائيلية، وإن مرحلة إرساء السلام بعد صنعه تقتضى نفس الأمر. أضف إلى ذلك أن مراقبة الساحة الإسرائيلية تسمح لأمتنا بالاكتشاف المبكر مستقبلاً لأي توجهات عدوانية تظهر لدى الأجيال الإسرائيلية من شأنها أن تهدد السلام المأمول، خصوصاً أننا ما زلنا نشهد اتجاهات متطرفة تربي الأجيال الإسرائيلية بعيداً عن ثقافة السلام واحترام الحقوق العربية.
إن ضمان السلام واستمراره وتحقيقه لمقتضيات الأمن القومى العربي يتطلب يقظة، وبالتالي فإن مجال الدراسات الإسرائيلية لا يجب أن يضعف لمائة عام قادمة. وهذه وصيتي.
لابد أن أوجه الشكر للكوكبة من الأساتذة والخبراء المصريين الذين استجابوا للدعوة والتفوا حول الفكرة ليزودا الجيل الجديد بخبراتهم، وهم من كبار العسكريين المتقاعدين والأكاديميين والديبلوماسيين والإعلاميين. إن أمتنا العربية سيزداد ثراؤها بهذه الروح التطوعية، وبهذه الرغبة من الكبار في توريث علمهم وخبراتهم لأبنائهم.