تثير الانتقادات المتصاعدة من جانب العديد من الساسة الأميركيين، لاسيما في الحزب الديمقراطي، ضد إسرائيل، وخاصة تلك الموجهة لرئيس وزرائها بنيامين نتنياهو، قلقاً لدى المسؤولين الإسرائيليين. وهي انتقادات ازدادت وتيرتها بعد أن نجح الأخير في توحيد أحزاب اليمين المتطرف التي يتوقع أن تفرض رؤيتها على الحكومة الإسرائيلية الجديدة المتوقع تشكيلها قريباً.
وفي ظل تعاظم انتقادات أميركيين عاديين لإسرائيل، جاء التطور اللافت في كسر ساسة أميركيين لحاجز الصمت بشأن انتقاد إسرائيل. وإن كان كل من ينتقد السياسة الإسرائيلية، يؤكد على أهمية العلاقة بين إسرائيل والولايات المتحدة، فإن عدداً من مرشحي الحزب الديمقراطي لانتخابات الرئاسة الأميركية انضموا لقائمة المنتقدين. بل إن عدداً منهم ابتعد عن المواقف الإسرائيلية المتطرفة، فرفضوا حضور المؤتمر السنوي للوبي الصهيوني «لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية» (إيباك)، بعد أن كانوا يتسابقون لإظهار حضورهم في ذلك المؤتمر. في هذا السياق، وصف المرشح الديمقراطي «بيتو أورورك» رئيسَ الوزراء الإسرائيلي بأنه «عنصري»، قائلاً: «ينبغي أن تكون العلاقة بين إسرائيل وأميركا قادرة على تجاوز رئيس وزراء يتسم بالعنصرية ويتحدى أي احتمال للسلام عبر تهديده بضم الضفة الغربية. نتنياهو لا يمثل المصالح الأفضل في العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل، أو أي مسار سلام للإسرائيليين والفلسطينيين. هو لا يمثل مصلحة الحلف الإسرائيلي الأميركي». أما المرشح «بيرني ساندرز»، هو سيناتور ليبرالي تقدمي يهودي، فقال: «نتنياهو زعيم إسرائيلي يميني متطرف. لا أؤيد سياساته، وأعتقد أن التحدث علناً ضد نتنياهو لا يعني أن تكون معادياً لإسرائيل». وكذلك المرشح الديمقراطي «بيت بوتيجيج»، والذي يعتبر من المؤيدين الكبار لإسرائيل، فقد هاجم نتنياهو محذراً: «إنه يسبب ضرراً بمصالح إسرائيلية وفلسطينية وأميركية». كما وجهت منظمة «جي ستريت»، وهي منظمة أميركية داعية لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بالطرق السلمية، انتقادات لنتنياهو على خلفية تصريحاته بشأن ضم مستوطنات الضفة الغربية إلى إسرائيل، حيث قال رئيسها (جيريمي بن عامي): «مجرد ضم جزئي سيكون ضربة كارثية لأمن إسرائيل وديمقراطيتها، وانتهاكاً حاداً للقانون الدولي. لا يمكن لإسرائيل أن تحكم ملايين الفلسطينيين مع حرمانهم من حقوق سياسية ومدنية متساوية». ثم أضاف: «على جميع المسؤولين الأميركيين المنتخبين والمرشحين الرئاسيين أن يوضحوا أن أي ضم للضفة الغربية سيثير أزمة كبيرة في العلاقات بين أميركا وإسرائيل».
لقد أظهرت نتائج استطلاع أجرته «مؤسسة الأبحاث الأميركية لسياسة الشرق الأوسط» (IRmep)، تراجعاً في تأييد الأميركيين لإسرائيل. ووفق الاستطلاع، فإن «22.2% في الولايات المتحدة يتعاطفون أكثر مع إسرائيل، وهي النسبة الأقل منذ عام 2009». ويعتقد المركز أن «أحد أسباب تراجع التأييد الجماهيري الأميركي لإسرائيل يعود إلى الاستخدام المفرط للقوة من قبل جيش الاحتلال ضد المتظاهرين السلميين في قطاع غزة خلال مسيرات العودة، وحملة اللوبي الصهيوني في أميركا ضد بعض أعضاء الكونجرس الأميركيين». وعليه، فمن الطبيعي أن تنعكس هذه التصريحات والاستطلاعات على التأييد لإسرائيل، الذي كان محل إجماع طوال سنوات، ومقبول عند الجمهوريين والديمقراطيين على حد سواء، لكن مسألة تأييد إسرائيل جماهيرياً تحولت إلى قضية خلافية في الولايات المتحدة. وقد دفع الخوف من هذا التطور الرئيس الأميركي ترامب إلى القول: «فوز الديمقراطيين في انتخابات الرئاسة الأميركية، في العام 2020، من شأنه أن يبقي إسرائيل وحيدة». ومن جانبه، حذر السفير الأميركي لدى إسرائيل، ديفيد فريدمان، أمام «إيباك»، يهودَ الولايات المتحدة من أن «إدارة مستقبليةً تأتي بعد الرئيس ترامب لن تفهم حاجة إسرائيل للحفاظ على السيطرة الأمنية في الضفة الغربية، ولن تكون حساسة للتحديات الأمنية التي تواجهها إسرائيل».
وبالمقابل، من المؤكد أن سياسة الانتقادات المتصاعدة للدولة الصهيونية وسياساتها، ستترك أثراً في المجتمع والسياسة الأميركيين من شأنها أن تؤثر على الأميركيين اليهود، وعلى إسرائيل أيضاً. فأسلوب ترامب في تعامله مع أوساط ومؤسسات أميركية مختلفة أدى لانفلات الخطاب السياسي. وبحسب خلاصات دراسة صريحة نشرها «معهد أبحاث الأمن القومي» في جامعة تل أبيب، فإنه «يبرز في الولايات المتحدة حالياً اتساعُ الاستقطاب الشعبي والسياسي، تعزز سياسة الهويات، الخطاب الشعبوي المرفق أحياناً بتعبيرات كراهية فظة وعنيفة، تزايد تأثير جهات متطرفة على الخطاب والأجندة، هجوم متصاعد ضد النخب التقليدية والمؤسسات التي تمثل النظام الحالي، وانهيار مبدأ الإجماع بين الحزبين (الجمهوري والديمقراطي)». بل إن هذه الدراسة اعتبرت أن «هذه الأجواء تشكل برنامجاً لنشوء موجات عداء للسامية من اليمين، تضاف إلى جهود نزع الشرعية عن إسرائيل من اليسار. ويمتزج كل هذا مع انتقادات متزايدة لسياسة إسرائيل، خاصة ممارساتها بحق الفلسطينيين، وتعاملها مع الأقلية العربية، وكذلك في سياق العلاقات الوثيقة بين إدارة ترامب وحكومة نتنياهو». وتبقى التطورات مرهونة بالمستقبل وما يتضمنه!