لدى الأردن موقف ثابت وراسخ وواضح تجاه ما يُحاك للقضية الفلسطينية من مؤامرات في وضح النهار. الأردن منذ اندلاع الصراع العربي- الإسرائيلي حول القضية الفلسطينية يعتبر الرمانة التي تحافظ على التوازنات الحساسة مع جميع أطراف الصراع من الإقليمي إلى الدولي.
الأردن دولة محورية عند التعامل مع الشأن الفلسطيني، ومحاولات زعزعة آمنة أو تهميشه لا تصب في مصلحة العرب، وإنما يكرس عملية الاستفراد بالفلسطينيين والتعامل معهم من دون العرب أجمعين.
وهذا الأمر يهدف إلى الضغط على الفلسطينيين للقبول بالفتات أو الرضى بالشتات في التيه. لقد تم إيصال الوضع الفلسطيني إلى مرحلة يطلب فيها قرض على وجه السرعة لدفع مستحقات العاملين في السلطة، وهو ما قاله مسؤول فلسطيني رفيع، إن عباس، طلب من الدول العربية خلال اجتماع لوزراء خارجيتها، الذي عقد في يوم الأحد، الموافق 21-4-2019 في القاهرة قرضاً مالياً لمساعدة السلطة الفلسطينية في مواجهة أزمتها المالية، فطلب القرض والدعوة إلى تفعيل شبكة الأمان العربية يأتي في إطار المحاولات الهادفة إلى تجاوز الأزمة المالية وعدم الخضوع للابتزاز الإسرائيلي، وكانت السلطة الفلسطينية رفضت خلال الشهرين الماضيين تسلم أموال الضرائب التي تجبيها إسرائيل عن البضائع التي تدخل إلى السوق الفلسطينية مقابل عمولة ثلاثة في المئة بعد اقتطاعها جزءاً من هذه الأموال، قالت إن السلطة تدفعها لأسر الشهداء والمعتقلين في سجونها.
هُناك موجة تسونامي صاعدة لإغراق فلسطين في محيط التنازلات التي لم تتوقف منذ بدء الصراع ولم تنته بعد ولا زال «كوشنير» يلح في دعوة السلطة الفلسطينية لتقديم المزيد من التنازلات، بل «التنزيلات» التي تصل إلى درجة التصفيات النهائية وبوتيرة متسارعة، بالرغم من انشغال العالم العربي بأحمال ثقال.
إن فلسطين غدت خبراً يومياً في مختلف وسائل الإعلام وبالأخص عبر وسائل التواصل الاجتماعي السابقة عصرها في السبق، إلى الحد الذي يعجز المتابع عن ملاحقة التفاصيل، فمن ذلك ما قاله مبعوث أميركي إن خطة ترامب للسلام في الشرق الأوسط لن تتضمن منح الفلسطينيين شبه جزيرة سيناء. ويبدو أن «Jason D. Greenblatt»، مبعوث ترامب إلى الشرق الأوسط، سعى إلى إنكار تقارير وسائل التواصل الاجتماعي التي تفيد بأن الخطة التي طال انتظارها لإنهاء الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني ستشمل مد قطاع غزة إلى شمال سيناء على طول ساحل مصر على البحر الأبيض المتوسط.
وكتب «Jason» بتويتر قائلاً: «أستمع إلى تقارير تتضمن خطتنا فُهم منها أننا سنقدم جزءاً من سيناء (وهي مصر) إلى غزة. هذا خطأ. من فضلك لا تصدق كل ما تقرأ. من المستغرب والمحزن أن نرى كيف أن الناس الذين لا يعرفون ما في الخطة يشكلون قصصاً مزيفة وينشرونها.
هذا الحديث من المبعوث الأميركي غير مقنع وأسبابه غير مبررة لأن الذين تطرقوا إلى هذه الخطة أو الصفقة مسؤولين بحجم ملك الأردن وعباس رئيس السلطة الفلسطينية وغيرهم ممن يدهم في نار القضية وليس في مائها الذي يراد تعكيره.
مع ذلك ندرك جيداً بأن السياسات ليست ثابتة، وهي أحياناً مجسات اختبار تؤخذ فيها ردود الأفعال لتعديلها أو تغيير اتجاهاتها أمام سلسلة العقبات أو التحديات على أرض الواقع.
لذا يمكن لنا أن نسمع خلال الفترة المقبلة وعلى عجل عن عشرات السيناريوهات التي تعد خصيصاً لحلحلة القضية الفلسطينية لا لحلها.
فالأردن بالنسبة لأميركا وإسرائيل من أكبر العقبات وأصعبها على التطويع، فإغراءات المال رغم حاجة الداخل الملحة لم ُتجدِ، فإذا لا بد من وضع سيناريو خاص يعتمد على زعزعة أمن الأردن من الداخل، وهو ما لم ينجح تمريرها حتى الآن. فما دامت الأردن راضية بالاستمرار في دور الرمانة، فلا خوف عليها، بل زيتونة فلسطين سوف تضيء عليها وتساعدها في إنارة دربها طالما حافظت على ثوابتها.