الهجمات الإرهابية في سريلانكا تُعتبر علامة على ظهور نوعٍ جديد من العنف في بلد أمسكت بتلابيبه قبل ثلاثة عقود أعمال عنف انفصالية. ففي يوم الاحتفال بـ«عيد القيامة» شهدت سريلانكا هجمات منسقة على عدد من الكنائس والفنادق الفاخرة في العاصمة كولومبو ومناطق أخرى. وأدت الهجمات إلى مقتل أكثر من 250 شخصا. وألقيت مسؤولية التفجيرات على جماعة محلية مغمورة لها صلة بتنظيم «داعش» ويطلق عليها «جماعة التوحيد الوطنية». وكان شبان من أسر سريلانكية من بين منفذي التفجيرات الانتحارية التي وقعت في هجمات منسقة.
والدولة الجزيرة خلت من أعمال عنف كبيرة منذ نهاية الحرب الأهلية عام 2009. وألحقت القوات المسلحة السريلانكية في عام 2009 الهزيمة بحركة «نمور تحرير التاميل-إيلام» إثر مقتل زعيم الجماعة «بيرابهاكاران» بعد حملة عسكرية طويلة الأمد خاضتها الحركة للمطالبة بفصل منطقة التاميل. ويعتقد أن أكثر من 70 ألف شخص قتلوا في هذه الحرب الأهلية. ومن الواضح أن السلطات لم تكن مستعدة لأعمال العنف التي وقعت يوم الاحتفال بـ«عيد القيامة». فقد بوغتت البلاد بالأحداث رغم سنوات الخبرة الكثيرة في التعامل مع العنف والإرهاب. وكان هذا رغم تلقي عدة تحذيرات قبل الهجوم.
واعترف متحدث باسم الحكومة علناً أن وكالات الاستخبارات الدولية حذرت في الأسبوع الأول من أبريل من احتمال قيام انتحاريين بتنفيذ تفجيرات تستهدف كنائس وسياحا. وأصدر «جايا سوندارا» قائد الشرطة في البلاد إنذارا استخباراتيا في الأسبوع الثاني من أبريل حذر من أن «جماعة التوحيد الوطنية» تخطط لتنفيذ هجمات انتحارية تستهدف كنائس بارزة. وتضمنت التحذيرات أيضا قائمة من المشتبه بهم. وصدر تحذير أيضاً قبل ساعات من الهجمات التي وقعت يوم 21 أبريل.
وأحد الأسباب التي أدت إلى الإخفاق الاستخباراتي يتمثل في وجود انقسام وسط القيادة العليا في سريلانكا. فقبل ستة شهور، أقال الرئيس السريلانكي سيري سينا رئيس الوزراء رانيل فيكراما سينغ من منصبه بسبب الاشتباه في تدبير عملية لاغتياله. وفي كلمة أذاعها التلفزيون، أعلن «سيري سينا» أنه لم يكن أمامه خيار غير إقالة رئيس الوزراء لأن أحد الوزراء كان يخطط لاغتياله. وحُسمت الأزمة الدستورية بإعادة تعيين «فيكراما سينغ» بعد أن حظي بأغلبية في البرلمان وبعد قرار من المحكمة العليا. وتدور الآن الأسئلة بشأن مدى مساهمة هذا الشقاق الداخلي المحتدم بين اثنين من كبار القادة في التقاعس عن التحرك رغم الإنذارات المختلفة بشأن احتمال وقوع هجمات انتحارية على الكنائس والمناطق السياحية. وفي مؤتمر صحفي، كشف «فيكراما سينغ» أنه لم يعلم بشأن الإنذارات الأمنية التي حذرت من هجمات انتحارية محتملة.
ويتوقع أيضاً أن تخلق هذه الهجمات شقاقاً جديداً بين الأغلبية البوذية وأقليات المسيحيين والمسلمين. وهناك بالفعل توترات طائفية في سريلانكا ويتوقع أن يؤثر تدهور الأمور على النسيج العلماني للبلاد. فقد وقع عدد من أعمال العنف الطائفية والتوترات الدينية من بينها حوادث متفرقة لهجمات الجماعات البوذية على المسيحيين في السنوات القليلة الماضية. وأعمال العنف تضمنت أيضا هجمات تخريب وتهديدات لأعضاء من الطائفة المسيحية من بينهم قساوسة ورفض دفن مسيحي في جبانة عامة.
وفي مارس من العام الماضي، فُرضت حالة الطوارئ في البلاد بعد اندلاع عنف طائفي بين البوذيين والمسلمين.
وكتب رئيس برنامج آسيا والهادي في مركز «تشاتم هاوس» في ذاك الوقت يقول إن البوذيين الذين ينتظمون في جيش الشباب البوذي اعتبروا المسلمين «تهديدا دينيا وثقافيا واقتصاديا» لسريلانكا. ونفذوا أعمال عنف منهجية ضد المساجد والأنشطة الاقتصادية للمسلمين مما أدى إلى إعلان حالة الطوارئ لعشرة أيام في البلاد في مارس الماضي.
صحيح أن هذه الحوادث ربما أدت إلى تشدد قطاعات من المسلمين لكن سريلانكا ليس لها تاريخ من التواترات بين المسلمين والمسيحيين أو هجمات على الكنائس ينفذها مسلمون. ومن الواضح أن التحريض على الهجمات على الكنائس جاء من خارج سريلانكا. فـ«داعش»- وهو تنظيم له تاريخ في التحريض على الهجوم على الكنائس في مصر وإندونيسيا والفلبين وغيرها- يشعر بإحباط بعد إلحاق الهزيمة به ويحاول أن ينقل لنا من خلال مثل هذه الأعمال رسالة مفادها أنه مازال فاعلا على الساحة الدولية. وفي عام 2016، اعترف مسؤولو الأمن السريلانكيون أن 32 مسلما ذهبوا إلى سوريا من أجل الانضمام إلى «داعش» ومع انهيار ما يطلق عليه الخلافة كانت هناك مخاوف من ضربات ينظمها العائدون إلى بلدانهم.
وجاء في تقرير لوكالة «رويترز» أن السلطات السريلانكية تشتبه في أن المهاجمين لهم صلات دولية على الرغم من أن طبيعة هذه الصلات غير معلومة بدقة. ويشارك مكتب التحقيقات الاتحادي الأميركي (إف. بي. أي.) والشرطة الدولية (الإنتربول) وأجهزة أجنبية أخرى في التحقيقات التي تجريها سريلانكا.
وفي الآونة الأخيرة، حصد الإسلام والمسلمون أعلى درجات الثناء والإشادة في العصور الحديثة بعد الهجمات على مسجدين في نيوزيلندا في مارس. فرغم بشاعة ودموية الهجمات على المسجدين، فاز الإسلام والمسلمون بتقدير رفيع للغاية حول العالم بسبب ما أظهروه من ضبط نفس وسلوك يقتدى به في التسامح والتعايش السلمي. لكن الهجمات الإجرامية في سريلانكا لن تجلب على الإسلام والمسلمين إلا الأوصاف السيئة.
*مدير مركز الدراسات الإسلامية-نيودلهي